آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

تحفة جوادية

ورد عن الإمام الجواد : «كيف يضيعُ مَن اللهُ كافلُه، وكيف ينجو مَن الله طالبُه» «بحار الأنوار ج 75 ص 364».

هذه من درر وحكم الإمام الجواد والتي يصيغ من خلالها حلل وسمة الإيمان والاقتدار في شخصية المؤمن بعيدا عن ترهات الجهل والأهواء، فيتحدث عن جانبين مهمين يعبران عن منحى حياة المرء ومدى تمتعه براحة البال والطمأنينة في خضم صعوبات الحياة وتعقيدات مشهدها، فإن الثقة بالله عز وجل وتدبير أمور حياته فلا يضيع أحد بحضرته، يمنع العقل من معاقرة الهواجس والقلق القاتل المتعلق بتكهن المستقبل المجهول، وأما من فقد سمة الإيمان بالله تعالى فتملأ الوساوس فؤاده خوفا من العطب والضرر، فيخاف على رزقه وآماله ألا يحصل عليها بسبب ما، ولذا لا يهدأ باله أبدا.

حسابات الاحتمالات والتصورات لما يكون عليه غده يشغل تفكير الكثير، فيصاب البعض بالحيرة أمام مؤشر الأحداث الذي يمكن له في أي لحظة أن يسقطه في مصيبة أو أزمة لا تقوم له قائمة من بعدها، كما أن عوامل القوة من مال وصحة وإن كانت توفر له أسباب الراحة والسعادة، ولكنه يقلق حينما تتراقص أمام مخيلته صورته وأحواله المستقبلية إن فقدها.

الإمام الجواد ينبه تلك النفوس الغافلة والمصابة بلوثة حب مظاهر الدنيا والتهافت عليها خوفا من نقص الحظوظ أو فواتها، بأن الله تعالى حافظ المرء ومتكفل برزقه مهما تظافرت الظروف المانعة من وصوله إليه، فليمتلك المرء أحد أهم مفاتيح القوة والاقتدار في الحياة وهو الثقة والرضا بقضاء الله عز وجل، فهذا مما يدفعه بقوة نحو خوض غمار التحدي في ميادين الحياة والتحلي بالصبر حتى يتحقق مراده، كما يبدد عنه سحاب الهم لفوات فرصة أو إخفاق في مرحلة ما فذلك ليس بمكتوب له، وهذا لا يمنع أن يتحلى بالطموح والهمة ليعاود العمل متسلحا بدروس وخبرات الحياة، فالمؤمن هادئ الجنان في أوج عواصف الزمن الهائجة وذلك لشعوره بأن الله تعالى متكفل بحفظه ما كانت المصلحة في ذلك، وإن ابتلي بضر فإنه يلجأ إلى كهف الصبر الحصين ويغالب الأقدار بما أوتي من تخطيط، وأما الجاهل بعظمة خالقه فتعصف به الأحداث وتورثه الوهم الساكن في عقله، فيظن أن أسباب القوة تمنعه من سقطات الأيام وضرها حتى إذا داهمه الضر وشعر بضعف نفسه وتدبيره أحس بوجود القوة المهيمنة على الكون كله!!

المؤمن يستظل بظلال التوكل على الله تعالى وقطع الآمال عن الأسباب الظاهرية كعلة تامة في تحقيق آماله، وهذا ما يكسبه العزة والكرامة التي لا يتخلى عنها أبدا فلا يقبل الذل والهوان والاستضعاف أمام أحد.

وفي الفقرة الأخرى يشير الإمام الجواد إلى القدرة الإلهية المهيمنة على مفاصل نظام الكون فلا يفوته سبحانه شيء، فالغرور لوثة تصيب البعض فتنتفخ ذاته ويرى نفسه بعيدا عن قبضة العدالة الإلهية، كما حصل من عتاة وفراعنة على مر الزمن أخذهم سبحانه أخذ عزيز مقتدر، فلن ينجو من نقمة العقوبة من حلت عليه وإن تآزرت على نصرته والمدافعة عنه الإنس والجن، فلا يحسبن المتجرئ على حرمات الله عز وجل بأنه مهمل وبعيد عن العقوبة، فما هذا الاستخفاف بالقيم الدينية حتى أضحت علكا تلوكه الأفواه بلا علم، فاستحكمت الأهواء وسلطت على حرم الله تعالى لتصاغ بعبارات رنانة ترفع النفرة عنها لتعاقرها النفوس المأسورة بالعبارات البراقة الزائفة، فليستقر في الأذهان أن جند الله عز وجل وطرق عقوباته ونقماته في الدنيا لا تحصى، وما ذكر لنا من أحوال الأمم السابقة وما حل بها من عقوبات ما هو إلا تنبيه وجرس إنذار لنتوقف عن غينا وجرأتنا على حرم الله عز وجل، أفلا ننظر إلى سوء حالنا وما وصلنا إليه من مقارفة المعاصي، حتى أضحت من سمات الاستهتار عند البعض قطع الأرحام والمجاهرة بالفسوق والتهاون بالفرائض والتبرج وعقوق الوالدين وانتشار الرائحة الكريهة للحقد والحسد، وبدأت بوادر الدعوة للانحراف العقائدي وظهور الصوت النشاز للإلحاد، فإن التجرئ على محارم الله تعالى يعرض المرء لطلب الباري لعقوبته من حيث لا يدري أو يتوقع.