آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 9:59 م

العواطف النبيلة وآفاق الوطن

مهدي صليل

ونحن نقلب صفحات المجد في سجل الوطن، تلتمع بارقة رجال كتبوا مآثر حضورهم، ممزوجة بقطرات الحب لحبات التراب الأم.

كانت لحظات أعمارهم وقفاً على مداد العطاء، وتنقلات خطاهم سعياً في مشهد البناء، فغدت الصفحات نبراس طموح باتساع الأفق، لكل من أمَّ مجداً أو يمَّم فخرا.

وحين غادرت الأجسام الحضور، بقيت الأرواح تطل من شرفات الحنين، ترسل نبضها فيضاً، يجدد سقيها لمواطن الجدب.

أحد هؤلاء الرجال الشهود هو ابن سيهات البار ووالد أبنائها، المرحوم الحاج عبدالله بن سلمان المطرود.

رجل سكب عصارة جده وكده في كأس حبه وعشقه لهذه الأرض، فأنبتت سمو المعاني، متخطية أسوار الطين، غير آبهة بالتواءات الزمن.

رجل أطلق عنان فكره خارج حدود «الأنا» فصارت الآفاق طيعة أمام خطوه، تتسابق ملبية إشارات طموحه وآماله.

رجل كتب التأريخ بساعد الجد قبل حروف القلم، فراحت الكلمات تتغنى بحكاياته، وهاهي الصفحات تتقلب بين يديك، تحكي بعض ما كتبه الحاج للأجيال.

قلب كبير حوى العواطف الإنسانية النبيلة، والمشاعر الأخلاقية الرفيعة، كتب اسمه في قلب كل من عرفه..ذلك هو الحاج عبدالله بن سلمان المطرود رحمه الله.

فما يذكر هذا الرجل حتى تتجلى صفات النبل والشهامة والرجولة، وتغدو شاخصة أمام العيان، يراها الناس أفعالا على أرض الواقع.

له مع كل مشروع خيري وقفة صادقة، ومع كل عين دامعة يد حانية، ومع كل قلب كسير صدر عطوف.. فقد غرس نبتة الخير في وطننا الغالي منذ عشرات السنين، حين أسس أول جمعية خيرية في المملكة مع مجموعة خيرة من رجال سيهات، وواصل سقيها ورعايتها وأمدها من جده وسهره، فأثمرت وتفرعت أغصانها حاملة الخير لكل محتاج في ربوع الوطن دون تمييز أو تفضيل.

لقد سطر محبو الحاج مشاعرهم في حقه، بعد أن سجل كل أبناء الوطن في قلبه، وهذه مقتطفات من مشاعر الحب والوفاء:

- «كان اسم عبدالله المطرود ركناً من تاريخ طفولتنا في المنطقة»

- «انغمس الرجل الجواد في أعمال الخير من داخل وخارج منطقته، وكأنها متعته الأولى والأخيرة»

- «كان الحاج رجلاً حصيفاً عاقلاً، يتصرف بما يقتضيه الموقف، وبما يمليه عليه واجبه تجاه دينه، وإخلاصه ومحبته لوطنه وأبناء بلده»

- «هو أحد أبرز رموز العطاء والبذل المشهود لهم بالعمل على رفعة ونماء وتحسس القضايا الإنسانية، وتلمس حاجات الفقراء في المجتمع، وكان سباقاً لإصلاح ذات البين فهو بحق رمز للعطاء في مختلف النواحي، وكانت أياديه البيضاء لا تقتصر على منطقته ومجتمعه»

- «لقد كان رحمه الله صافي السريرة، محباً للجميع، لم يكن يضمر لأي شخص أي عداء»

- «لقد كان شهماً لا يتوقف ولا يتردد في الاستجابة والتجاوب مع كل مشروع خيري يعرض عليه، وعند كل مشكلة يدعى لحلها، بل كان مبادراً سباقاً إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين، وتفقد أحوال الضعفاء والمساكين»

- «كان الحاج في نظر من عمل معه من إخوانه وأبنائه في العمل الخيري مدرسة خرجت أجيالاً من العاملين في الحقل الاجتماعي ممن نهلوا من تجربته الدروس، حتى تجسدت فيهم أخلاقيات العمل الاجتماعي، فتعلموا أن لا يكونوا كضوء الليف يشتعل سريعاً ويخمد سريعاً، وأيقنوا بأن الدافع الذاتي هو من أساسيات العمل في هذا المضمار، وأن الشكر والتقدير والمثوبة يتأمله العبد في الآخرة من المولى عز وجل»

- «ترك خلفه بصمة تاريخية من السباق نحو حب الخير والعمل والكفاح الذي يجب أن يبقى راسخاً في الأذهان، ليكون درساً لأجيال القادمة»

نعم..فقد كان مدرسة في العطاء ومدرسة في الأخلاق ومدرسة في السعي الجاد لبناء الوطن، فكل من عمل معه يتذكر جمال أخلاقه ونبل صفاته، ويشهد له بالحكمة وبعد النظر، وهاهي المصانع التي شيدها والمشاريع التي أقامها تشهد على بعد أفقه واتساع دائرة تفكيره، فقد كانت مشاريعه تأخذ عنوان السبق في أكثر من مجال، ففي مجال الأمن الغذائي بادر بإنشاء مصانع الألبان، والمخابز الحديثة وبأعلى المواصفات العالمية، وفي مجال الأعمال الخيرية الاجتماعية كان مبادراً فاعلاً، يقصده الجميع لحل مشاكلهم، وإصلاح ذات بينهم بكلمته الطيبة وحكمته الثاقبة.

وهكذا تقدم سطور حياته الحافلة بالإنجازات أنموذجاً حياً للعمل الصالح، ومثالاً واضحاً للعطاء والبذل والسخاء، تنقل المفاهيم العالية والمبادئ الرفيعة من مستوى التنظير إلى واقع الفعل والعمل.