آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

الازعاج.. الخصوصية

محمد أحمد التاروتي *

يفوت البعض على نفسه فرص عديدة للانتشار، والاستحواذ على القلوب، نتيجة الطريقة ”الفجة“ في فرض الذات على الاخرين، حيث يمارس التطفل المزعج، وغير المقبول على الاطلاق، فهو يسمح لنفسه الدخول دون استئذان، في الحياة الخاصة للاخرين، فتارة عن طريق نشر الفائدة سواء بالاتصال المباشر، او عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتارة أخرى بواسطة استخدام بعض المناسبات الطارئة، للاستفادة منها واستغلالها لممارسة اقصى درجات الازعاج، مما يحدث حالة من النفور وعدم التحمل، خصوصا وان فقدان الاحساس بمشاعر الاخرين، وعدم تقدير الخصوصية، يولد الاختلاف الكبير في طريقة التعاطي مع الممارسات ”التطفلية“، التي يمارسها البعض قسرا دون الإحسا بمدى الاثار السلبية الناجمة عن هذه السلوكيات الخاطئة.

الاستخدام الخاطئ للانتشار، واتباع الطرق المزعجة، عناصر أساسية في تفاقم الأمور على المتلقي، خصوصا وان البعض يتحاشى المواجهة مع فريق ”التطفل“، سواء نتيجة للتقاليد الاجتماعية السائدة، او بسبب عدم التسبب بالاحراج، مما يدفع لمحاولة تحمل الازعاج والصبر على ”الضيم“، لاسيما وان المواجهة تكون صعبة او غير مجدية على الاطلاق، نظرا لاستمراء هذا الفريق على تلك الطرق ”التطفلية“، في مختلف المجالات الحياتية، الامر الذي يشكل معضلة كبرى في طريقة التعاطي، مع هذه النوعية من البشر، وبالتالي فان الطريقة المناسبة تتمثل في محاولة التغاضي، او السكوت على مضض، باعتبارها الطريقة المناسبة للاحتفاظ بخيط رفيع من الاحترام، انطلاقا من القواعد الأخلاقية الحاكمة لدى الشرائح الواسعة للمجتمع.

الشعور بالتضخم الزائد، وكذلك استخدام التواصل ”الكاذب“، يحدث اثر كبيرا في استمرارية ظاهرة الازعاج و”التطفل“، خصوصا وان هذه الفئة تمتلك إحساسا فريدا من نوعها، بامتلاكها قدرات فائقة بخلاف مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يدفعها لمحاولة اقتحام الخصوصية للاخرين، حيث تحمل شعارا لفتح قنوات عديدة للتواصل مع البيئة الاجتماعية، من التستر وراء بعض المفردات لاسقاط الحواجز، والتعدي على المناطق المحرمة للاخرين، حيث يبرر سلوك التطفل بالعمل الصادق على ”نشر الفائدة“ و”العمل على مشروع ثقافي“، بيد ان الحقيقة تخالف تلك القناعات ”الكاذبة“، فهذه الفئة تفتقر للقدرة على التأثير في الوسط القريب، فما بالك بالدائرة الاجتماعية الواسعة، نظرا لفقدان الإمكانيات اللازمة لممارسة الدور الريادي، الامر الذي يفسر الإصرار على الاقتحام غير المبرر للخصوصيات.

الاعتماد على القناعات الشخصية، وعدم الاستمتاع للملاحظات وكذلك التلذذ والشعور بالرضا نتيجة المجاملات، التي تطلق هناك وهناك، عناصر أساسية في الاستمرار في ”الازعاج“، خصوصا وان هذه الفئة لا ترى سوى ”الذات“، وتعمل على تجاهل جميع الملاحظات، نظرا لاتخاذها مسلك وطريقة خاصة، في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية، فهي تعتمد على التعامل من طرف واحد، مما يجعلها تعتقد انها صاحبة اليد الطولى، وصاحبة الفضل في رفع مستوى الوعي، مما يدفعها لاتخاذ وسيلة ”التطفل“ الدائم على الاخرين، نظرا لوجود ايمان راسخ لديها بأهمية السير قدما، بمنهجية الاقتحام القسري في طريقة التواصل مع المجتمع.

النفور يمثل النتيجة الحتمية لمثل هذه العلاقات الاجتماعية، فاصحاب ”التطفل“ سيجدون انفسهم في جزيرة معزولة، نظرا للاسلوب غير المتكافئ المستخدم في التعاطي مع الطرف الاخر، فالشرائح الاجتماعية ترفض اقتحام الخصوصية، وتحاول المحافظة على خطوط فاصلة في العلاقات الاجتماعية، الامر الذي يمثل الهروب الجماعي من فئة ”التطفل“، بيد ان المشكلة تكمن في عدم ادراك أصحاب ”التطفل“ لاسباب القطيعة، مما يدفعها للبحث عن ضحايا اخرين لممارسة الازعاج مجددا.

الازعاج سواء كانت دوافعه نبيلة وسيئة، فانه غير مقبول على الاطلاق، خصوصا وان الافراط والتفريط مرفوض من لدن الجميع، انطلاقا من قاعدة ”كل شيء زاد عن حدة انقلب ضده“، وبالتالي فان التحرك غير المنضبط يحدث خللا، في شبكة العلاقات الاجتماعية، مما يستدعي احترام الخصوصية، وتفادي ”التطفل“ مهما كانت الأسباب والدوافع.

كاتب صحفي