آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

لكي لا يقتلنا الداء

تمر أزمةٌ فندير وجهنا غربًا ننتظر الدواء، ثم تأتي أخرى فندير وجهنا شرقًا، بينما الخلاص من كلِّ الأزمات هو في الشعلة التي يوقدها القرآنُ الكريم فينا حين يقرر أنه فيه شفاءٌ ورحمة ”وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ? وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا“.

وإن كان لا شك أن في القرآن شفاء من أمراضِ الجسد، لكن هذا الشفاء المذكور أيضًا رمزية الى أفعال الأمر التي ضمها القرآنُ بين دفتيه، والتي فيها دعواتٌ للنهوض والسير والعمل الجاد في الميدان والأخذ بالأسبابِ الطبيعية التي وضعها الخالقُ في الكون لتكون تحت يد من بحث عنها فنالها.

إنه شفاءٌ للأبدان وللقلوب يزيل الجهلَ عنها والريب، ويكشف غطاءَ القلب ليشفى مرض الجهل، ويقوم الانسانُ بعدها يحارب جهله ومرضه وتخلفه ويشفيه اللهُ منها كلها. ومع كلِّ التأكيد على هويتنا والاعتقاد بأن القرآن شفاءٌ متكامل هو مركبٌ ثابت في جيناتنا، إلا أنه لا شفاءَ ولا خلاص من ازمةٍ فردية أو جماعية يتحقق دون أن يقترنَ بالشق الثاني من المعادلة ويستقيم بالجناح الآخر الذي يعتدل به شأنُ الإنسان وهو الجانب الفكري والعلمي والعملي. إذًا ما الضرر لو اقتصرنا فقط على التصديق دون العمل؟

إن الدينَ والقرآن يؤكدان على الأخذ بالأسباب الطبيعية، والطبابة سببٌ من الأسباب. ويؤكدان أيضًا على العمل في المختبر والمصنع، وكلها أسبابٌ طبيعية للشفاء العام والخلاص المستدام، وما نتناقله من حلولٍ ”قرآنية“ دون عملٍ يؤكد سوء فهمنا. فها نحن نبحث عن الدواء في الشرق والغرب، وها نحن نبحث عن حلٍّ لكل ما يصعب من عند غيرنا، فماذا بعد؟

”الدَّاعِي بِلاَ عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلاَ وَتَرٍ“ هكذا نحن حين نروم حلا ناقصًا، وهذا بحد ذاته داء يحتاج إلى علاج لاستئصال الأفكار التي لا تمت للدينِ بصلة، وتكون مسبةً على الدين في عصر نحن فيه أحوج ما نكون لمواكبة التقدم والتطور العلمي والعمل في ذاتِ الوقت من أجل تثبيت الروحِ الاسلامية بدلاً من زعزعتها.

حينما نأخذ الدواءَ الجسدي الخاطئ تهترىء مناعتنا، فلا عجب إذا إن ضعفت مناعتنا الروحية حين نتاول وصفاتٍ روحية في غير زمانها ومكانها، ولا تعالج الحالةَ التي نحن فيها. بل تعمل عمل المخدر وقاتل الألم الذي يخفيه بينما العلة تسري وتنتشر، ومن الطبيعي أنّ يكون التوكّل توأماً مع العملِ والسعي وليس مع الكسل والفرار من المسؤوليات والاعتماد على الغيبيات على علاَّتها.

الشفاء والدواء الناجع في القرآن لكلِّ الأمراض الإِجتماعية والأخلاقية والروحية والجسدية التي تقتل الجسدَ وتفتك به، وكلها تحتاج إِلى طبيب وعلاج ووقاية، وكلها تسري وتعدي، وليس لها من داوء إلا العمل والأخذ بالأسبابِ الطبيعية والعلمية والتوكل المقرون بالعملِ الجاد، وأن يكون هناكَ تلازمٌ عضويٌ بين التصديقِ والعمل.

مستشار أعلى هندسة بترول