آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

ضمير الإنسانية يحمله د. محمد مشالي

عباس سالم

في مصر العربية رحل عن عالم الدنيا الدكتور ”محمد مشالي“ المعروف «بطبيب الغلابة» بعد أن علمنا أن الرحمة الحقيقية بالفقراء والمعوزينهي ليس فقط مجرد تألم في القلوب ودمع في العيون وإنما هي بالوقفة الصادقة التي تدفع حاملها لمساعدتهم.

علينا دائماً أن نعود أنفسنا على فعل الخير في هذه الحياة، فالحياة مجموعة من الدروس والمواقف السعيدة أو الحزينة، وفي كل يوم تعطينادرساً جديداً نتعلّم به، ويضاف إلى خبراتنا في هذه الرحلة القصيرة التي نعيشها بحلوها ومرّها، لنتمكّن من تحقيق المزيد من النجاحات فيمسيرة حياتنا، ولنجعلها جميلة ومزدهرة.

الدكتور محمد مشالي صبر على تحمل هموم الفقراء والبسطاء، وقضى نصف قرن في خدمتهم ولم يغير في سعر الكشف على مرضاه الذيلا يتعدى أل 10 جنيهات! في زمن وصلت فيه مهنة الطب إلى تجارة رابحة في تجفيف جيوب المرضى، لكن لسان حاله يقول ماذا أفعلبالأموال ومغريات هذه الحياة والتي لن أرحل بشيء منها عندما يحين الرحيل، في مقابل أن خدمة الإنسانية هي أغني وأبقى وأعظم عند اللهتعالى.

الصبر على المصاعب هو من الدروس المهمة التي على الإنسان أن يتعلّمها من الحياة، وذلك لأنّ الحياة عادةً لا تخلو من المصاعب والعقباتالتي تتطلّب الصبر الطويل، ويكون ذلك بتقبّل الإنسان وحمدان الله تعالى لكل وضع وحال يمر بهِ، وأن يسعى وبكل جهدٍ وإرادة لتحقيق مايُريد معتمدًا على جهده وإيمانه برب العالمين، وأن يؤمن بفكرةٍ في غاية الأهمية ويُطبقها في حياتهِ اليوميّة وهي أنّ الصبر مفتاح الفرج.

عاش الدكتور محمد مشالي عمره كله ببساطة الملبس والمأكل والمشرب بعيداً عن حب الأموال والأهواء وبعيداً عن أضواء فلاشات الكيمراتالزائفة، وأن الله تعالى كرمه بأحسن من ذلك عندما جاءت الكثير من الصحف المصرية، لتتنافس على محاورته والتقاط الصور له ليصبححديث الناس داخل مصر وخارجها، وليصبح رمزًا للعطاء وأيقونة لصناعة الأمل في نفوس لفقراء والمساكين ولخدمة الإنسانية.

أيها الطبيب النبيل ليتك كنت تعرف بأن في مجتمعنا الكثير من الفقراء والمساكين لا زالوا عاجزين عن الوصول إلى المستشفيات الخاصةللعلاج، وإذا وصلوها فهم عاجزون عن دفع تكاليفها، لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يضع رجله على عتبة أبواب المستشفيات الأهلية في بلادنالأنها مسعورة، وربما تصدر لك فاتورة وتحاسبك على المرور بشارعها أو قراءة لوحتها من بعيد، فمن الأفضل الإبتعاد عنها وأن يبتعد عنها كلصاحب دخل محدود.

بين الحين والآخر اسأل نفسي، لماذا أن لباس الأطباء هو اللون الأبيض؟ بعدها أيقنت أن هذا اللون لا يلوّن؛ لانه صادق ونقي لا يزيفالحقائق ولا يعطيها لوناً سوى لونها الحقيقي، وأيقنت أن التواضع يحطم الغرور، والاحترام يسبق الحب، والصدق يسحق الكذب، والتوبةتحرق الشيطان، والتواضع شعار الأخلاق.

ختاماً إن الوقفة الصادقة مع الفقراء والمعوزين لهذا الطبيب المتواضع جعلهم يشعرون بأن ضمير الإنسانية لا زال ينبض في زمن المادة، وإنخدمة الناس تنمي روحية التواضع وتقمع الكبر، وتنثر الصفات الجميلة في الإنسان كالسخاء والعطاء، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْلأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.