آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

اقتصاد ما بعد كورونا «17»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

.. لكن كيف بوسع الأسواق أن تدفع الناتج المحلي الإجمالي، ليس فقط لمعاودة النمو، بل معاودته بعنفوان ناجز؟ وكيف نولف ”صدمة“ إيجابية تجعل اقتصادنا يحول مساره ليتجه شمالا بعد أن أدخلته تداعيات كورونا الاقتصادية في تباطؤ وركود؟ واستدرك: وكيف يتحقق ذلك دون اللجوء إلى حلول تقليدية مكلفة وقتا ومالا وتفويتا لفرص يانعة؟.

وحقيقة الأمر، أن الأسئلة أعلاه تنطوي إجاباتها عن تحديات ليس سهلا تحقيقها، لكنه - بتوفيق الله - ليس مستحيلا مع تطلعات ”رؤية 2030“ وطموحاتها. وقد كانت هذه الأسئلة مدارا لنحو 50 مقالا تناولها هذا الحيز، قلبت الأمر على جوانبه، وعلى رأسه وعقبه، فناقشت المقالات على مدى خمسة أشهر دونما انقطاع تدافع اقتصادنا مع كورونا، والجهود المضنية والحثيثة والمبادرات المتتابعة للتخفيف من تداعيات الجائحة الصحية أولا وقبل أي شيء، ثم الاقتصادية. وكانت سمة التناول: أن حفز الاستهلاك والسعي حثيثا إلى إفاقته، هو المحور الأول لصناعة صدمة إيجابية تنعش اقتصادنا، فالاستهلاك يمثل ما يزيد على 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أما المحور الثاني المتعامد مع الأول ليؤازرا بعضهما بعضا، فهو ”النسمة المنعشة“ المتمثلة في علاج الأسواق. كل ذلك مع الأخذ في الحسبان أن المحورين المتعامدين يتكئان على محور ثالث هو خط الزمن، فكلما طال الوصول إلى التعافي، تناقصت الفائدة، وكلما قصر زادت. أما المحور الرابع فهو، تكلفة صناعة الصدمة الإيجابية، التي ينبغي ألا تزيد الأعباء. أما التحدي الرئيس فهو، أن نفطن إلى أن إحداث الصدمة الإيجابية لا يكمن في التناول التقليدي، أي بجلب مزيد من المال أو اجتراح مزيد من الحلول من خارج الصندوق، بل نتفحص الصندوق وما فيه، فذاك في المتناول. والتحدي الثاني يتعلق بمن أين نأتي بالحل؟ وما يجري في الدول الأخرى مفيد، لكن ”المقارنات المعيارية“ لا تحمل الإجابة بالضرورة، فلكل اقتصاد واقع يعيش ضمنه، وهو المجتمع. فالاقتصاد ليس ظاهرة منفصلة عن مجتمعه، بل هو ظاهرة اجتماعية حتى النخاع.

والتحدي الثالث، أن إفاقة الاستهلاك تتطلب أموالا تجري في أيدي المستهلكين، وإشراقة وضاءة في الأفق تدفعهم إلى الشراء، إذ إن من يعايش ضبابية لن ينفق إلا في حدود الحاجة، حتى إن امتلك أموالا. لكن، كيف نجري مزيدا من المال في الأيدي والاقتصاد شاخص قبالة: 1. تركز الاستهلاك على الضروريات، وتحديدا الأغذية والأشربة، التي ارتفع مؤشر أسعارها نحو 4,5 في المائة منذ بداية العام الحالي. 2. ضغوط كبيرة على المالية العامة، التي تراجعت إيراداتها نحو 36 في المائة في النصف الأول من 2020، مقارنة بالنصف الأول من 2019، في حين أن الإنفاق لم يتراجع بالوتيرة ذاتها، فقد تراجع 8 في المائة، مقارنة بالنصف الأول ل2019؟... يتبع.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى