آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

الدكتور توفيق السيف * صحيفة الشرق الأوسط

مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يتكرر التأكيد على أن مستقبل البلد ومصيره، يتقرر في هذه المباني التي يرتادها أبناؤنا صباح كل يوم.

ولمناسبة استمرار الاحتياطات الخاصة بمواجهة وباء «كورونا»، قالت الصحف المحلية إن مسؤولي التعليم يناقشون فكرة التعليم عن بُعد، لتلافي مخاطر اجتماع الطلاب في مكان واحد.

وأجد في هذا مناسبة لعرض فكرة تلحّ على ذهني، منذ أن ظهرت إلى السطح فكرة «الثورة الصناعية الرابعة». سوف أبدأ بسؤال قرّائي الأعزاء، وأعلم أن فيهم طلاباً وآباء لطلاب وعاملين في قطاع التعليم. سؤالي هو: هل هناك علاقة جوهرية بين التعليم والمباني المدرسية؟

الواضح أنه حين نذكر المدرسة، فإن صورة «مبنى» المدرسة هي أول ما يقفز إلى الذهن. فهل نتحدث حقيقة عن المدرسة أم عن مبناها. بعبارة أخرى؛ هل نعتقد في أعماقنا أن المبنى أساس العملية التعليمية، فإن لم يجتمع الطلاب فيه، فإن العملية التعليمية ناقصة حتى منتفية؟

لعل بعض القراء سيقول في نفسه؛ هذا جدل لا جدوى منه، فليس في العالم من يفكر في الاستغناء عن المباني. البعض الآخر سيقول؛ إن ترك المبنى يشبه ترك الشركة لمكاتبها واعتمادها العمل من المنزل بشكل كامل. قارئ ثالث ربما يهمس ساخراً؛ لماذا لا نلغي الشوارع أيضاً، كي تسير السيارات حيثما شاءت؟!

حسناً. أنا أتفهم الإشكالات المحيطة بالموضوع. لكن دعني أطرح خلفية السؤال؛ من المفهوم أن إنشاء المباني المدرسية، كان على الدوام ضرورياً لقيام عملية تعليمية منتظمة وموحدة. لكن هذا المفهوم يرجع إلى عصر سابق، يوم كان العالم جزراً متباعدة جداً. أما عالم اليوم فهو أقرب إلى قرية متواصلة. من ناحية أخرى، فإن حضور المعلم مع الطلبة في غرفة واحدة ضروري، يوم كان توصيل المادة والفكرة رهن بالنقل المباشر من شخص إلى شخص، وكانت متابعة المعلم للطلبة تقتضي التأكد من مذاكرتهم، وأدائهم للامتحان، ورؤية أوراقهم، وتصحيحها. وكان انضباط الطالب والتزامه يتجلى في سجل الحضور والغياب.

لكن العالم اليوم لم يعد كعالم الأمس. إن العملية التعليمية آخذة في التحول بشكل جوهري، فلم يعد دور المعلم كما كان في الماضي، ولا الكتاب المدرسي، ولا الأدوات المساعدة، ولا فكرة الانضباط. ومن هنا فإننا بحاجة إلى مناقشة موضوع جديد، دعني أسميه «التعليم الموازي للثورة الصناعية الرابعة» أي التعليم المتوائم مع احتياجات مستقبل العالم.

يهمني جداً التمييز بين هذا المفهوم وبين المفهوم الذي يناقش في الصحف، أي الذي يركز على التعليم عن بُعد، تلافياً لمخاطر وباء «كورونا». ما أقترحه لا يرتبط بموضوع «كورونا»، رغم أن هذا الوباء الكريه قد وفّر الأرضية اللازمة لطرح الفكرة وتنفيذها. إنني أدعو للبحث عن منهجية تعليم تعتمد فلسفة جديدة، مختلفة عما اعتدناه حتى الآن. في إطار هذه المنهجية، يمكن أن يلعب «المبنى» دوراً، لكن «أ» لا ينبغي أن يكون هو المحور، بحيث تتعطل الدراسة إذا تعطل المبنى. «ب» ألا يكون للمدرسة مبنى واحد قسري. المدرسة هي أي مكان يجتمع فيه الطلاب، ربما في شارع ندرس فيه التخطيط العمراني، أو مسجد ندرس فيه الثقافة الإسلامية، أو متحف للتاريخ، أو جبل ندرس فيه طبقات الأرض أو مصنع أو معسكر أو مستشفى... إلخ.

أحسب أن المفهوم قد اتضح الآن. ولعلي أعود لتفصيل بعض النقاط في وقت لاحق.

باحث ومفكر عربي من المملكة العربية السعودية.