آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 9:58 ص

المثقف بين القدرة المعرفية وكسر الجليد

ليلى الزاهر *

بنظرة شمولية للآراء المتناثرة في سماء الفكر الصاعد سوف نلاحظ الاحتدامات القائمة بين طبقة المثقفين وبين المثقف الدينيّ خاصة.

فتخبو شعلة المثقف إذا فشل في قياس المسافات بينه وبين الناس وتصبح الثقافة لديه كلمة يتشدق بها فقط دون أن يستشعر أثرا لمدلولها الفعلي.

وحسبما ورد في الأمثال العربية «كُلّ لسان بإنسان» يتضح جمال الإنسان بقدرته المعرفية التي تجعله منسجما مع جميع خطوط التغيير في المجتمع وهذا هو شأن المثقف الذي يسابق الحدث الآني، ويواكب التطورات المعرفية.

فهل الثقافة والقدرة المعرفية للمثقف تشكلان قفزة نوعية مميزة لديه؟

إننا قد نهتزّ لأيّ فكرة أنيقة يعرضها المثقف فتلامس وجداننا، وننبهر بعنفوانها معجبين، مصفقين لها، نؤمن بقناعة تامة بمساعدة صاحبها لنا على بناء الرأي وتشكيله، غير أن المثقف قد يطاله النقد إذا لم يُحْكم سدّ الثغرات التي يتعرض لها في اصطدامه بتيار الموروث الاجتماعي أو مخالفته لمنظور ديني؛ لذلك لابد أن يكون له منفذا للخروج من أيّ مناظرة لأنه تسلح معرفيا ودينيا.

يمتلك المثقف القدرة على التصدي لجميع المواقف الكارثية في الحياة إذا امتلك قدرا كافيا من المعرفة لأنه يستطيع حل مشكلاته بشكل ديناميكي ويحمل بين يديه خبرات متعددة تسانده في الظهور بقوة وسْط أي عاصفة تظهر أمامه.

من زاوية أخرى ترتبط الثقافة بأسلوب الحياة وبكيفية التعامل مع الناس في حين ترتبط المعرفة بجملة من الحقائق والمعارف يكتسبها الإنسان من المدارس والجامعات.

لذلك كان الهدف الحقيقي من وراء الثقافة تطوير المدارك العقلية والسمو بها يوما بعد آخر في سلسلة معرفية مترابطة لاتنقطع أبدًا.

وإذا كانت المعرفة عند البعض تنتهي بالتعليم الجامعي وملحقاته فالثقافة لاتنتهي إلا بانتهاء حياة الإنسان لأنها متشعبة في طرق متعددة واتجاهات مختلفة.

وفي مكانٍ ما سوف يُجرى المثقف أجمل مناورة يبتكر خلالها فنون القول حتى يصل لأجمل الحلول، لقد جمع بين الحوار المهذّب والفكر الأنيق وابتعد عن الجدال العقيم، حوارٌ تجمّدت الزهور خلاله!

حتى بات بمقدوره كسر الجليد مع الغرباء وتحويلهم إلى أقرباء. إنّه بلاشك له قدرته الخفية في مجتمع تنافسي أن يقول: ماهكذا تورد الإبل.

إن المثقف الحقيقي لابد أن تكون له بصمة يُغير بها المجتمع الذي يعيش فيه لأنه استطاع كسر صناديق كثيرة في حياته وسار بخطٍّ جميل مكافحا الرياح اللافحة التي كان مصدرها جميع تيارات الجهل المندفعة نحوه، مبتعدا عن المواقف الخشبية، ومسجلا انتصارا على المواقف الحربائية.

وأهم صندوق استطاع المثقف كسره وضمن له ديمومة العطاء عندما نزل من برجه العاجي وعالمه الافتراضي إلى الواقع المزدحم بالناس وناقش كل فرد بفكره الخاص دون إعاقة لفظية أو تشويه لقيمةأخلاقية؛ لأنه يمتلك ثقافة مستقاة من معين نظيف وله نظرته العميقة التي يُدرك من خلالها إن الإنسانية الجديدة تتجه في الغالب إلى التفكك فلابد أن يكون هو الموجّه لها بقيمه الأخلاقية آخذا بيدها إلىأماكن ساحرة تبعدها عن النظرة المادية والغطرسة والأنانية التي تواجهها وسوف ترديها نحو الفناء.

بقي أن نُشِير إلى أنّ تعرض المثقف للتنمّر والإيذاء النفسي كان على مر العصور الإنسانية المختلفة. وقد عبّر عن ذلك المؤرخ العراقي الدكتور محسن محمد في كتابه «المثقف اللامنتمي» حيث قال «إن سوء حالة المثقف في التاريخ الإسلامي تعبّر عن تراجع الأمة الإسلامية لأن مثقفيها ومفكريها الأقرب إلى الواقع، ومن كانت تلقى على كاهلهم مهمة نقد الحاضر، واستشراف المستقبل، جوبهوا بالزندقة حيناً، وبالكفر حينا آخر».

إن النخبة المثقفة يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع مفكري الدين في نسْق جميل، وتُربّت فوق أكتاف جميع الفئات دون تحيّز أو تمييز عنصري حتى لا تخدش أسوار المجتمع بدعوى الإصلاح فيكون النِتاج انهيارا يهدد فكر المجتمع ويراود زعزعته.