آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

عاشوراء والاحترازات الطبية .. ومكمن الخلاف!

محمد الشيوخ *

خلاصة رأي معظم عقلاء الطائفة الشيعية حول إحياء عاشوراء في ظل انتشار جائحة كورونا لهذا العام هو: بأن الذي يستطيع أن يلتزم بالاحترازات الطبية الوقائية الصارمة والمتعارف عليها عند أهل الاختصاص ويحي مناسبة عاشوراء لهذا العام في المجالس العامة «الحسينيات او المساجد» فهو مأجور، والذي لا يستطيع أن يلتزم بتلك الاحترازات ولا يضمن التزام الاخرين ويريد أن يحي المناسبة عن بعد، حماية لذاته ولغيره، من وباء كورونا الفتاك، فهو مأجور ومثاب ايضا.

وأضافوا:  وبما أن الالتزام بالاحترازات الطبية في الأماكن العامة أمر يصعب تحقيقه، وثبت ذلك من خلال تجارب العديد من المساجد بعد رفع الحجر عنها مؤخرا وعودة المصلين للصلاة فيها، فالأفضل والأسلم الإحياء في المنازل، طالما الأمر يمكن تحقيقه بهذه الكيفية ووفق هذه الآلية.

هذا هو قول العقلاء، الذي لا لبس فيه، واعني ب ”عقلاء الشيعة“ بشريحة وازنة من الخبراء والاطباء المختصين في علم الأوبئة الى جانب كبار مراجع الطائفة الشيعية وفي مقدمهم السيد السيستاني حفظه الله وكذلك العديد من المثقفين والعلماء الشيعة الأفاضل.

في الحقيقة أن الرأي أعلاه، في ظاهره ليس محل خلاف اطلاقا بين ابناء المجتمع الشيعي، كما لا يؤدي في الغالب الى جدل حاد وصراع مستمر لا يهدأ ابدا، كما هو قائم الآن، علاوة على ذلك أنه قد يخلف - أحيانا - خصومات ومشاحنات بين بعض الأصدقاء والأقرباء المختلفين، وربما تمتد آثاره لأيام أو لسنوات في بعض الأحيان لا سمح الله.

جوهر الخلاف الحقيقي، في تقديرنا، أعمق مما هو ظاهر للعيان، وهو راجع وبشكل محدد لحالة الصراع الفكري“الخفي”القائم والدائم بين التيارات الدينية والفكرية المختلفة في المجتمعات الشيعية، وحول قضايا أكثر عمقا مما يظهر منها على السطح بين فترة وأخرى، سواء في صورة خلاف حول ”التطبير“ أو خلاف حول كيفية احياء عاشوراء في ظل الاحترازات الوقائية في زمن جائحة كورونا، وغيرها من العناوين التي تثار بين الفينة والأخرى.

الأسباب الحقيقية للصراع بين التيارات المختلفة، في الغالب، تظل كامنة وخفية على الدوام، إذ يصعب البوح بها. ولهذا يتم الاستعاضة عنها بموضوعات وعناوين قد تكون“مضللةً”إن جاز التعبير، إذ توحي وكأنها هي بذاتها موضوعات الجدال الحقيقية لا غير. لكنها - في الحقيقة - ليست هي كذلك، كما هو حال الرأي أعلاه، والذي لا يستدعي كل هذا الجدل الحاد، ويكاد ان يتفق عليه الجميع تقريبا وبلا استثناء أيضا. ولكنها، وكما أسلفنا، تكون هي العناوين البارزة في الواجهة دائما، في حين أن الأسباب الحقيقية تظل كامنة في الخفاء دوما مع أنها المحرك الأساس للصراعات البينية وديمومتها لأمد طويل.

يجدر القول: بأن الذين يقفون خلف المحركات الحقيقية للصراع، هم أنفسهم المتصارعون“ الأصلاء ”الذين يدركون جيدا دوافع الصراع الحقيقية وغاياته، وهم أيضا من يصطنعون مبرراته وعناوينه ”المضللة“ التي تغطي حقيقته، كما أنهم الذين يضرمون النيران وينفخون فيها، ليكون البسطاء وقودها وحدهم في الغالب. وهذا الأمر، بالمناسبة، ليس حصرا ينطبق فقط على التيارات الدينية وحدها دون سواها، وإنما ينسحب ايضا على جميع الجماعات المتصارعة وبمعزل عن توجهاتها ومسمياتها وايديولوجياتها المختلفة.

وبصرف النظر عن تفسير ماهية الأسباب الكامنة للصراعات بين الجماعات الدينية والتيارات الفكرية المختلفة، وعدم القدرة على الإفصاح عنها غالبا، فإن الصراعات البينية وذات الغطاءات الدينية أو المذهبية القافزة على الضوابط الأخلاقية، هي أخطر أشكال الصراعات وأكثرها شيوعا وتعقيدا واستفزازا وحساسية، وغالبا ما تقود المجتمعات إلى أشكال جديدة من المناكافات والصراعات، وبعناوين مختلفة.

يظهر أن معظم التيارات الفكرية والجماعات الدينية والمذهبية والسياسية في العالم الإسلامي والعربي، ولأسباب ذاتية وموضوعية مختلفة، ستظل ولفترة ليست قصيرة، حبيسة هذه الآفة الخطيرة، التي تهدد أمنها الاجتماعي وسلمها الأهلي، وتمنعها من استيعاب الدروس المعاصرة والاستفادة من التجارب الماثلة امامها، وعدم تقدير حساسية الظروف الراهنة وخطورتها.

زبدة القول، إذا كانت التباينات في وجهات النظر والأفكار بين التيارات المختلفة - بحدودها الطبيعية - حالة صحية وطبيعية، وقد تكون عامل قوة وبناء وإثراء وتكامل أيضا، فإن مجمل الصراعات الحادة وغير الرشيدة قطعا هي بمثابة معاول هدم ودمار وتشظي للمجتمع، وغالبا ما تؤدي لانقسامات واصطفافات حادة ومؤذية، كما أنها تعبر - في معظم الحالات - عن تدني في مستوى النضج والإدراك العام لكافة الفرقاء المختلفين، كما وتدلل أيضا على غياب الحكمة والرشد في التعاطي مع الملفات والقضايا الخلافية، صغيرها وكبيرها معقدها ويسيرها الجوهري منها والزهيد على حد سواء.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
خالد أحمد
[ القطيف ]: 13 / 8 / 2020م - 9:12 م
المقاله جميله جذا ويش رايك بعودة المدارس هل تعتقد يكون عوده سليمه ام بناءه رد
2
ر ع
[ القطيف / القديح ]: 13 / 8 / 2020م - 10:22 م
هذا هو الكلام المتزن الواعي الذي يؤدي إلى نتيجة وبصيرة بالأمور

كثر الله من أمثالك وأحسنت
3
ابو حسين
[ القطيف ]: 16 / 8 / 2020م - 5:41 ص
مقال طويل وعريض، لبحث مكمن الخلاف.

مكمن الخلاف ببساطة،
تطبيق الاجراءات الاحترازية ممكن او غير ممكن

هذا يقول ممكن كما في سائر امورنا الحياتية التي سمحت بها الجهات المختصة.

وذاك يقول غير ممكن لاعتقاده بصعوبة تطبيق الاجراءات.

فويش دخل التيارات
وويش دخل التطبير
وويش دخل الامور الخفية.
باحث في علم الاجتماع السياسي