آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

أنت والإحياء الحسيني، وجهاً لوجه!

ماذا يعني الإحياء الحسيني بالنسبة لك؟ وما هو موقعه منك؟ وما موقعك منه؟

العام الهجري 1442 والميلادي 2020 يكشف لك الحقيقة، التي ستكون ماثلةً أمامك بوضوح، فكن على قدر المسؤولية حين تكون أنت وحقيقة إحيائك لهذه الشعيرة المقدّسة وجهاً لوجه.

وها نحن نقرب من شاطئ كربلاء، حيث تُرسي سُفننا هناك كلّ عام لننهل من نبع عطاء مدرسة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ونهضته العظيمة مع الخلّص من أهل بيته وأصحابه.

فما وعينا على هذه الدنيا إلا ونحن نعيش كلّ عام هذه المأساة الخالدة حتى أصبحت عاشوراء جزءً من شخصيتنا، وأصبحنا جزءً من قضيّتها، وما أعظمه من تشريفٍ وأعظمها من منزلةٍ أن اختارنا الله سبحانه لإحياء هذه الملحمة البطولية على مرّ التاريخ، فأجدادنا تعلموا هذا الإحياء من أجدادهم، ونحن على خطاهم مقتدون وسائرون حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ «أُو۟لَائكَ ٱلَّذِىنَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقۡتَدِهۡ ”الأنعام، 90“.

وهذا العام نستقبل عاشوراء ولأول مرة في تاريخ حياتنا بظرفٍ مختلفٍ عن جميع الأعوام السابقة، إنه لعمري أكثر حزناً وألماً على نفوسنا، فعبق مجالس الإمام الحسين ليس له نظير، إلا أن الظرف القائم يفرض نفسه علينا.

وهنا وقفة تأمل حول حقيقة الإحياء الحسيني، فهل أنه لا يتحقق إلا بالحضور المباشر في المأتم؟

نعم، الحضور لا يمكن أن يُستغنى عنه، فالمأتم الحسيني له روحٌ خاصة، لا يدركها إلا من تعلّق قلبه بسيد الشهداء ومجتمعنا الغالي يذوب عشقاً بالإمام الحسين فكيف يمكنه أن يتحمل وطأة هذا الظرف العصيب، حقاً إنها لمصيبة جديدة تضاف لمصيبتنا بسيدنا ومولانا الإمام الحسين . وهنا ولكي لا نشعر بحجم هذا الظرف العصيب ينبغي أن تتحول بيوتنا إلى مآتم بحيث يخصص كلٌّ منّا مكاناً في البيت ليكون بمثابة الحسينية ونحيي هناك هذه الذكرى العظيمة، والوسائل في عصرنا الحاضر أكثر من أن تُعد، وكلٌّ بحسب إمكانياته ينبغي أن يبذل جهده وطاقته.

وهنا يكمن الامتحان الحقيقي في الكشف عن حقيقة الإحياء الحسيني الذي عشناه طيلة السنوات الماضية، فمن كان الإحياء بالنسبة له لا يعدو كونه مظهراً خارجيّاً يتجاوب معه ضمن الحالة العامة التي يعيشها المجتمع، ومن كان إحياؤه للمناسبة لمجرد التبرّك بما يأتيه من بركات هذه المناسبة ومن مضائفها العامة، ومن كان الإحياء بالنسبة له مجرّر موسمٍ للكسب المادي وحسب، كلّ هؤلاء سيكون هذا العام كاشفاً عن حقيقة دعواهم، وحقيقة معتقدهم، وحقيقة انتمائهم لسفينة الإمام الحسين . أما من كان قلبه متعلّقاً بالقضية الحسينية فلا فرق بالنسبة له كان المأتم في الحسينية، أو أن بيته أصبح هو الحسينية، فهو يعيش مع الإمام الحسين بقلبه وروحه وبدنه، ولا ظرف يثنيه عن هذا الغذاء الروحي الذي لا نظير له في الوجود.

هنا فقط، وفي هذا العام يُكشف الستار، وعلى كلّ واحدٍ منّا أن يتأمل ذاته، ويعرض نفسه في هذا العام على قضية الإمام الحسين لتنكشّف له حقيقة هذا الارتباط، فهل هو مجرد إحياء شكلي لا يتجاوز المظهر، فلا تأثير له على السلوك الخارجي؟ كما هو حال مَن يحيي ذكرى الإمام الحسين بوجه وفي الوجه الآخر يعتدي على حقوق غيره أو يدعي ما ليس له بحق أو يمارس سلوكاً أبعد ما يكون عن الانتماء لسيد الشهداء .

أم أن الإحياء الحسيني نابع من عمق الانتماء، وعمق الارتباط بالإمام الحسين ؟ بحيث يصبح الإحياء الحسيني جزءً من شخصيتك، بل هو محور حركتك في الحياة، وسلوكك الخارجي إنما هو ترجمانٌ لهذا الارتباط المقدّس.

هكذا نريد هذا الموسم أن نستلهم من القضية الحسينية جوهرها، متجاوزين الارتباط الظاهري، لنحقق في ذواتنا ذلك الشعار الذي نردده دائما: يا ليتنا كنّا معكم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يتمسك بسفينة سيد الشهداء ، ويرتبط بها ارتباطاً حقيقياً جوهرياً، ليكون الإمام الحسين شفيعاً لنا يوم القيامة، وحاضراً عندنا في اليوم الذي يأذن فيه ربنا بأن نفارق هذه الدنيا.

اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضور مولانا صاحب العصر والزمان، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، برحمتك يا أرحم الراحمين.