آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

الحسين (ع) مظهر لجلال الله وجماله

زاهر العبدالله *

قال تعالى:

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «53» فصلت.

مقدمة:

إن المتأمل في سيرة الحسين يعلم أنه عرف ربه حق معرفته فأصبح مظهراً لجلاله وجماله وأصبح شاهداً على هذه الأمة ولو رجعنا لتفسير

هذه الآية المباركة في كتاب الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي لوجدناه يستنطق معناها الدقيق والعميق من سيد الموحدين علي ومن مولانا الحسين

فيقول:

الآية في قوله تعالى: ﴿أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد إشارة إلى دليل ”الصديقين“....

ثانيا: حقيقة إحاطة الله بكل شيء يجب أن لا نتصور - مطلقا - أن إحاطة الخالق جل وعلا بالموجودات والكائنات تشبه إحاطة الهواء الذي يلف الكرة الأرضية ويغلفها، لأن مثل هذه الإحاطة هي دليل المحدودية، بل الإحاطة المعنية هنا تتضمن معنى دقيقا ولطيفا يتمثل في ارتباط كل الكائنات والموجودات بالذات المقدسة.

وبعبارة أخرى: لا يوجد في عالم الوجود سوى وجود أصيل واحد قائم بذاته، وبقية الموجودات والكائنات تعتمد عليه وترتبط به، بحيث لو زال هذا الارتباط لحظة واحدة فلا يبقى شيء منها.

إن هذه الإحاطة نتلمس كنهها وحقيقتها في الكلمات الواردة عن أمير المؤمنين

إذ يقول: ”مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة“.

وقد نلمح هذا المعنى بعينه فيما ذكره الإمام الحسين في دعاء عرفة ذي المحتوى العميق، إذ يقول فيه: " أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا.. أنتهى [1] 

الشاهد: أن تجلي التوحيد في نفس الحسين جعله يكشف أمرا غاية في الدقة حيث من عادتنا في البحث عن الخالق أن نبدأ بالمخلوقات والآثار إلى أن نصل إلى الخالق وهذا ما يسمى بقوس الصعود ولكن الحسين بدأ بالعكس تماماً حيث بدأ من الخالق سبحانه مبينا بأن حقيقته سبحانه وتعالى متجلية لا يشوبها شك ولا ريب ولا شبه في قلب كل حر وعى الوجود فقال روحي له الفداء «أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟».

فمثل هذه البصيرة العميقة يجب أن تكون لها ثمرات منها:

1 - رفض كل ما من شأنه أن يلوث الروح من متاع الدنيا وزخارفها.

2 - أن لا يدع الخلق في تيه وقد علم عمق هذه المعرفة الحقة.

3 - فإذا وجد من يحرف الناس عن خالقها وجب عليه التصدي بحزم وعزم صادقين ليردها إلى رشدها حتى لو كان الثمن روحه المقدسة.

4 - إذا رفض الناس هدايتهم فبئس الحياة التي لا ترى الله تعالى في كل الشؤون فيكون كما قال الحسين عليه الصلاة والسلام: «لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» [2] .

5 - حالة الإشفاق والرحمة على الأمة تدفع ابن بنت رسول الله ﷺ أن يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وأن يضحي بمهجته في سبيل أن يرفها عن ظلمات الغفلة وتعود إلى رشدها ويُشعل القلوب الميتة التي شغلتها زينة الحياة الدنيا.

6 - الحسين أراد أن يؤسس إلى حالة غيّبها ظلمات الجهل وهي الغيرة على الدين فيشعل فيها النور ومن مصاديقها فريضة سنها الله على خلقه وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال روحي له الفداء «وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ﷺ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي» [3] 

7 - الحسين عَرف الحق وعمِل به وعَرف الباطل وكشف عنه فأصبح هادياً لخلق الله سبحانه وحجة بالغة على عبادة ومناراً للسالكين العارفين وهم أصحابه رضوان الله عليهم ومن سار على نهجهم.

8 - الحسين نال أعلى درجات الكرامة حين ذاب بكل وجوده وعياله وأولاده وأخوته وأصحابه في سبيل الله وإعلاء كلمة العليا ورضا له وتصديقاً بكتابه فأصبح بحق مظهراً لجلال الله وجماله تجد ذلك جلياً في أفعاله ولعل أبرزها حين كان الطفل بين يديه وهو مذبوح من الوريد إلى الوريد وهو

يقول: «هون ما نزل بي أنه بعين الله» [4] .

9 - أصبح ولازال الحسين مخلداً لأنه أعطى كل ما يملك في سبيل لله سبحانه فأعطاه الله من فضله ما نراه اليوم لأن الإسلام مرهون بوجوده فكما قيل: «الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء» [5] .

10 - الحسين سيكون جمرة تحرق عروش الظالمين إلى أن يخرج قائم آل محمد ﷺ ليتمم مشروع الحسين وينفذ مشروع وحلم الأنبياء والمرسلين.

حرياً بنا أن نفخر بالحسين ونتمسك به ما بقية أرواحنا في أبدانها طول الدهر ونضحي من أجله في سبيل الله تعالى ما أسس له من قيم وأخلاق وصلاح وصلاة وتلاوة لكتاب الله سبحانه وتعالى فالسلام عليك سلام من يرجو زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين والحمد الله رب العالمين.

[1]  تفسير الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 15 ص 454.

[2]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - الصفحة 381

[3]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - الصفحة 329

[4]  بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 - الصفحة 46

[5]  مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، ج 1: الإمام الحسين في المدينة المنورة، علي الشاوي، ص 176 - 177.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ش أحمد الجعفري
[ الأحساء ]: 20 / 8 / 2020م - 7:10 ص
احسنتم واجدتم شيخي العزيز بما سطرتم وكتبتم جعله الله تعالى في ميزان حسناتكم فعلا الحسين صلوات الله مظهر الجمال والجلال
ش أحمد الجعفري