آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

السيدة زينب بين النشأة والتربية

علي رمضان الحسين *

الأخلاق هي عبارة مجموعة من الخصال والصفات والملكات اي منظومة قيم يتعلمها ويكتسبها الانسان من البيئة المحيطة به سواء كانت حسنة أو سيئة ويتطبع الانسان ويكتسي بهذه الأخلاق من خلال التربية، فالتربية وضع هذه الخصال والصفات في نفس وروح الإنسان حتى تنصهر في سلوكياته وأفعاله لتحدد هويته الظاهرية، وتعتبر الأسرة هي المصدر الأول والأقوى للتربية والتنشئة وإن اشتركت معها مصادر أخرى، فالتربية تعتبر من أهم الأمور للأطفال الذين يراد تثقيفهم وتهذيبهم وتأديبهم على الوجه الصحيح لأنها أساس كل فضيلة ودعامة كل منقبة، ولا شك أن اول خطوة نحو تربية صحيحة وسليمة ومثالية هي اختيار المربي الفاضل، لذلك نرى الأمم الناهضة والمتقدمة تنتخب لتربية ناشئتها من ترى فيه الكفاءة والصلاح والتأثير السلوكي الفعّال من ذوي الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة لثقتهم أن الناشئ يتخلق بأخلاق مربيه ويتأدب بآدابهم فالصلاح والفساد في الأخلاق يبدأ من المربي فالتربية السليمة هي تربية العقول والنفوس لا تربية البطون والمظاهر الخارجية الشكلية وإن كانت مهمة الا انها لابد أن تكون أمر ثانوي يسبقها الاهتمام بالعقل والنفس ومع زحمة الدنيا وصعوبة الحياة وما طرأ عليها من تغيرات اجتماعية واقتصادية وتكنلوجية نجد الكثير من الأسر تاهوا وتناسوا المبادئ الإسلامية في تربية ابناءهم.

ومن أجل الوصول لتربية مثالية نجد أن اولياء الله اهتموا بالهدف الأساسي للتربية وهو رعاية الإنسان في مختلف جوانبه العقلية والجسمية والعلمية واللغوية والوجدانية والاجتماعية والدينية وتوجهيها نحو الصلاح، وأكبر مثال على هذا ما وصل إليه المربي والمعلم الأول والأفضل في البشرية سيدنا محمد ﷺ حينما ربى أهل بيته تربية كاملة مثالية ناجحة بكل المقاييس ولكمالها وروعتها شهد لها القرآن الكريم حينما أكد الباري سبحانه وتعالى أنه طهرهم وأذهب عنهم الرجس، ولا شك أن من ضمن الذين شملتهم هذه التربية من هذا البيت هي السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، حيث تربت في حضن النبوة والرسالة وتخلفت بأخلاق الشهامة والإمامة في أسرة من اولها لأخرها تشع بمربين وصلوا للكمال البشري وسطروا عظمة الأخلاق فالجد محمد ﷺ والأب علي والأم فاطمة والأخوان سبطا الرحمة .

لقد تأثرت السيدة زينب في تربيتها ونشأتها بشكل كبير بأبيها علي ذلك أنها قضت معه فترة طفولتها وشبابها، ولقد ربى علي ابنته على التقوى والإيمان والبساطة بعيداً عن زخارف الدنيا ومظاهرها الفانية، لقد هيأها لحياة روحانية وعلمها الشعور والإحساس بالآخرين بجوعهم وفقرهم، ونهلت من بلاغة وحكمة والدها وجود وكرم وإباء اخويها الحسنين لذا كانت تربيتها ونشأتها فاضلة كاملة تفيض بالحلم والعلم ومكارم الأخلاق ذات فصاحة وبلاغة وصبر لذلك اتخذها اخوها الإمام الحسين شريكة معه في نهضته ضد طغيان بني امية لتكمل مسيرته وتعرف المجتمع بجرم بني امية وشناعة جريمتهم في كربلاء وهي من حولت معركة كربلاء لنصر حينما غيرت مفاهيم المعركة لتسطر انتصار المقتول على القاتل، إنها زينب بنت علي من علمتنا كيف انتصر الدم على السيف وكيف انتصر صاحب الكرامة والمبادئ والقيم الحسنة، وها نحن وبعد ما يقارب من 14 قرنا في كل عام يصرخ العالم باسم الحسين دون ملل او تعب وكما يقول نزار قباني:

وكأنَّ لا أكَلَ الزمانُ على دمٍ

كدم الحسين بكربلاء ولا شرب