آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:37 م

الفساد والنمو

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

هناك من قد يظن أن عبارة ”ادهن سيره“ مغرقة في المحلية، لكن الأمر هو أن ثمة فرضية تدعى ”فرضية كفاءة التشحيم“. وهذه فرضية شاذة تقول إن الفساد يحفز النمو! وقد توالت الأبحاث لدحض الفرضية التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي. وهي على كل حال تناقض جبلا من الأدبيات المعتبرة التي أثبتت بنتائج معنوية وإحصاءات أن للفساد تأثيرا سلبيا في الناتج المحلي الإجمالي للفرد. كما أن هناك ما يثبت أنه حتى على مستوى الشركات، فللفساد تكلفة عالية، قد تؤثر في جدوى المشروع وخيارات تمويله، بالتالي تكلفة رأس المال. ولحسم هذه النقطة، حيث إن هناك من المرتشين والراشين من يستخدم هذا المنطق لتبرير تمرير تعاملات وصفقات فوق الرقاب، فقد بين الاقتصادي أدت من جامعة كمبردج أنه، ”وفي حين يمكن النظر إلى الفساد بمعناه الضيق جدا على أنه قد يعجل بالأمور ويساعد أصحاب المشاريع على توليد الثروة في حالات محددة، أما بالمعنى الأوسع، فيجب عد الفساد عقبة أمام التنمية“. أما السؤال المحير فهو ما أسباب استمرار تفشي الفساد على الرغم من تأثيره السلبي في النمو؟ أحد التفسيرات هو أنه عندما ينتشر الفساد على نطاق واسع، فهو يحبط لدى الأفراد حوافز مكافحته حتى لو كان المجتمع أفضل حالا من دونه، ولذا تجد أن المتراشين يتعاطون نشاطهم وصفقاتهم تحت جنح الكتمان، تجنبا للعقاب وخجلا من وضاعة الفعل لما يلحقه بالمجتمع من أضرار.

تحذر الأدبيات الاقتصادية المعتبرة دونما استثناء من التأثير السلبي لتفشي الفساد في تدفق الاستثمارات المباشرة، وفي المملكة، ومع بواكير إطلاق ”رؤية 2030“ التي تسعى إلى إعادة صياغة الاقتصاد الوطني لاقتصاد منتج يقوم على توليد القيمة، شهدت البلاد حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين أمرا ملكيا في 4 نوفمبر 2017 بإنشاء لجنة عليا برئاسة ولي العهد، التي باشرت عملها عشية اليوم الذي تأسست فيه، ليعلن فيما بعد أن حصيلة الخزانة العامة للدولة نظير التسويات تجاوزت 400 مليار ريال والتحفظ على 56 شخصا. وبعد أقل من خمسة أشهر، تبع ذلك صدور موافقة الملك على استحداث دوائر متخصصة لقضايا الفساد في النيابة العامة، تقوم بالتحقيق والادعاء في قضايا الفساد وترتبط بالنائب العام مباشرة، تبع ذلك تنظيم مؤتمر ”نزاهة“ حول حماية النزاهة ومكافحة الفساد في برامج التخصيص. وتوالت جهود مجابهة الفساد لأسباب غير خافية، وكذلك لصيانة تنمية الوطن ونمو الاقتصاد الوطني الذي يحيق به تحديات متعددة.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى