آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

رسائل الابتلاء بشائر عظمى

ليلى الزاهر *

تصلك رسائل عديدة في حياتك تكتبها المواقف فلا تمزّق تلك الرسائل لأنها من الحقائق، واشكر وصولها في وقتها المناسب.

‏⁧وأعظم تلك الرسائل رسائل السماء المغلّفة بحب من الله تعالى لعباده، يطلب من خلالها أسمى معاني الإصلاح البشريّ، ثم يعد أصحابها بأجمل مكنونات العطاء وجزيل الثواب فهناك ثلاثة أعمال لاتدخل الموازين يوم القيامة ويغدق الله على أصحابها فيض عطائه:

أولها: الصبر إذا يقول الله تعالى:

«إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»

ثانيها: العفو عن الناس وقد تكفّل الله تعالى بثوابه العظيم فيقول عزّ وجل:

«فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ»

ثالثها: الصوم وله باب خاص به في الجنان وعدا من الله تعالى لعباده الصائمين في قوله:

«إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».

لقد ثبت في روايات عديدة أن الله عزّ وجل يواسي أهل البلاء يوم القيامة وينصب لهم حسابا مختلفا عن غيرهم من الناس يليق بما ألحقه بهم من بلاء وجزاءً لصبرهم عليه، فيتمنى أهلُ العافية والصحة أن لو كانوا منهم.

‏عن جابر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ»

‏⁧‫‬⁩ولعل مكانة أهل البلاء عند الله تعالى إحدى الرسائل السماوية التي تحمل نفحات جميلة من عبق الصبر على البلاء في الدنيا، فهي البشارة العظمى من الله تعالى

لمن فقد عزيزا في ريعان شبابه، لمن أصابتهم الحسرة بفقد الأولاد والأحباب ولمن أضناهم ألم الفقر والعوز.

ولمن أُصيب في صحته فغيّبه المرض مدفونا في منزله.

فما شأن الحسين بن علي سبط الرسول وريحانته وقد ابتلى ألف بلاء وظلّ كالليث صامد بأرض كربلاء إلى أن قضى نحبه مذبوحا، تدهسه خيول الأعوجية بضرباتها المؤلمة على صدره الشريف ؟!

وكم أصابتني الدهشة من كربلاء الحسين

‏و بالرغم من المصائب التي أنجبتها كربلاء في الوقت ذاته أعطت أصحابها شرف التضحية وألبستهم وسام البقاء أمد الدهور، وشملتهم عناية الله ولطفه بالثواب الذي لايمكن أن نتصوره في الآخرة.

ولا يُقاس بلاء أبي عبدالله ببلاء الآخرين فعندما خطب الإمام زين العابدين في الناس قال:

«أيّها القوم، إنّ الله له الحمد وله الشكر، قد ابتلانا بمصائب جليلة، ومصيبتنا ثلمة عظيمة في الإسلام، ورزية في الأنام، قتل أبي الحسين وعترته وأنصاره، وسبيت نساؤه وذرّيته، وطيف برأسه في البلدان على عالي السنان، فهذه الرزية تعلو على كل رزية، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، والسبع الطباق لفقده...»

ثم قال:

«أيّها الناس، أي قلب لا ينصدع لقتله، ولا يحزن لأجله، أيّها الناس، أصبحنا مشرّدين مطرودين عن الأوطان، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه..»

لذلك كان من هول المُصاب عند الإمام زين العابدين الحزن الشديد الذي رافقه بعد رؤيته استشهاد أبيه في الطفوف وتمزيق السيوف لجسده الشريف.

فلم يرفق بنفسه سلام الله عليه وعاملها بألم لايفتر وأضاف حمل الأمس إلى حمل الغد، وحملهما معًا، وصبّ أوجاعه في مجالس العزاء التي نَصَبَها مع السيدة زينب لأن مصائب كربلاء لايمكن محوها من الذاكرة، وذكرها مخلّد يتجدد في كل مكان وزمان.

فإذا بحثنا عن بركات الحسين سوف نراها في الصبر على البلاء، وفي إقامة الصلاة بوقتها دون تهاون، وسوف يُثمر ذكر الحسين في نفوس الأجيال جيلا تلو جيل دروسا ساطعة في العفو والصفح وحبالآخرين.

إننا في زمن كورونا أصبحت منازلنا مآتم خاصة ومجالس عزاء نُصلح بها أحوالنا وتستقيم بها أمور معاشنا .

فما أعظم بركات الحسين علينا.