آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 6:41 م

قصة مصور سعودي نقل معالم الحرمين للعالم قبل نصف قرن

جهات الإخبارية مريم العبد العال - العربية نت

قبل نحو ستين عاماً، وحين لم تكن الكاميرات شائعة الاستخدام سوى عند قلة من الناس، تبادرت إلى ذهن مصوّر سعودي فكرة غير مسبوقة، ساهمت في نقل معالم الحرمين الشريفين إلى العالم، وغيرت مفهوم الهدايا التي يعود بها الحجاج إلى ديارهم.

الدكتور منير أحمد القاضي، هو صاحب أكبر إرث ثقافي مصور لتاريخ المدينة المنورة قديماً، ارتبطت صوره بتذكار وهدية زوار المدينة المنورة في الثمانينات والتسعينات الميلادية، حيث رسخت ذاكرة أجيال من أنحاء الوطن العربي بالمسجد النبوي الشريف عبر الألعاب والحقائب وأغلفة المواد المكتبية والبطاقات البريدية.

كما التقط ما يقارب 10 آلاف صورة لمناطق مختلف من معالم وأحياء المدينة المنورة، في وقت كان يتطلب تصوير الحرم النبوي الشريف تصريحا من وزارة الإعلام، فحمل الكاميرا يعد من الممنوعات في ذلك الزمن.

انتشار الهواتف الذكية

وكان الدكتور القاضي الذي استطاعت ”العربية. نت“ الحصول على معلومات حصرية لقصته، قد حصل على التصاريح اللازمة لحفظ حقوق توثيقه وتجنب أي إعاقات أثناء التصوير، ليتمكن أيضاً من الصعود إلى أسطح المباني لالتقاط الزوايا الواسعة، والتي بدأ رحلته مع التوثيق بين عام سنة 1963 ميلادي إلى أن توقف بعدما انتشرت الهواتف الذكية وسُمح باستخدام الكاميرا وأصبح الناس يلتقطون الصور بأنفسهم.

وُلد الدكتور القاضي في المدينة المنورة من مواليد 1945م ودرس المرحلة الابتدائية في مدرسة العلوم الشرعية، الواقعة بجانب باب النساء في المسجد النبوي قديماً، وتتكون من أربع أدوار مبنية من الحجارة المصقولة، وساحة خارجية كبيرة تسمى «الحوش»، حيث كانت الحياة في المدينة المنورة ما بين العبادة والتجارة، والطرق والأزقة التجارية تؤدي إلى المسجد النبوي.

حرص والده على أن يعلمه الخط العربي، فتعلم قواعد الخط من الشيخ زكائي، وبدأ مرحلة تجميع المخطوطات القديمة، ويملك اليوم إرثا من المخطوطات المكتوبة بأيدي خطاطي المصحف الشريف في المسجد النبوي.

رحلة ألمانيا

بدأت قصته مع التصوير من ألمانيا، عندما سافر على نفقة والده لدراسة الطب في جامعة كولونيا، عندما لم تسعفه درجاته العلمية للالتحاق ببرنامج الملك سعود للابتعاث للخارج.

ويذكر الدكتور القاضي خلال حديثه إلى ”العربية. نت“: ”خلال فترة دراستي وعملي في ألمانيا الغربية، أشار علي صديقي «هاينز» بعمل بطاقات بريدية عن المشاعر المقدسة، ونصحني بدراسة فن التصوير في ألمانيا“ وهي الفكرة التي شغلته وبدأ بمحاولة جمع الأموال لشراء كاميرا وتعلم التصوير.

واستطاعت علاقته بصديقه الألماني تكوين اللبنة الأولى لرحلته الطويلة في التوثيق، حيث تخللت فترة دراسته في ألمانيا زيارات لمعارض الكاميرات الدولية هناك والتي تعرض آخر التقنيات في مجال التصوير.

هدايا تذكارية

ففي معارض ألمانيا، عززت البطاقات البريدية والألعاب وطرق عرض الصور، عزيمة القاضي لتوثيق تاريخ المدينة المنورة بالصور كهدايا تذكارية للزائرين والمعتمرين.

هذا وواجه القاضي بعد سنة من الدراسة في ألمانيا ضيقاً في أحواله المادية فتفاجأ بشيك على عنوانه من الملحق الثقافي محسن باروم بقيمة 1000 مارك ألماني تشجيعا له، فعناوين الطلبة كانت تسجل في الملحقية بعد تصديق الشهادات الثانوية وترجمتها. وهي من المواقف التي لا ينساها فترة ابتعاثه.

وبعد مرور سنتين وأعباء مادية فاقت قدرته على تسديد الأقساط الدراسية ضحى بحلمه وعاد للوطن ملتحقاً بكلية التجارة في جامعة الملك سعود ليحصل على بكالوريوس تجارة في قسم «الاقتصاد والعلوم السياسية» متتلمذاً فترتها على يد الدكتور غازي القصيبي سنة 1969م في التاريخ السياسي.

أول مشروع مستقل

وكانت بعدها انطلاقته للدراسات العليا، حيث بدأ كباحث في الهيئة المركزية للتخطيط في مدينة الرياض، التي أُنشأت لوضع الخطة الخمسية الأولى للتنمية، وكان رئيسها آنذاك الوزير الراحل هشام ناظر، والتي تحولت بعد سنوات من هيئة إلى وزارة.

وبالرغم من مرور سنوات، إلا أن القاضي مازال متعلقا بألمانيا، فقد تعلم فترة معيشته فيها معنى الصناعة وأهمية العمل، فقرر السفر مرة أخرى إلى ألمانيا؛ لشراء كاميرا احترافية، وتفقد شركات الطباعة للبدء في أول مشروع تجاري مستقل، يقوم على بيع الهدايا التذكارية للمشاعر المقدسة.

معالم السعودية

خلال فترة معيشته في ألمانيا، لاحظ الدكتور القاضي عدم وجود بطاقات بريدية تمثل معالم السعودية وخاصة الحرمين الشريفين، فبدأ هذا النشاط التجاري، الذي كان مربحا إلى حد كبير، فقيمة 1000 بطاقة تعادل 35 مارك أي قرابة 40 ريالا.

ويمتلك الدكتور القاضي يومها حصيلة من الكاميرات الاحترافية، كما ساعدته في ذلك الوقت السيارة للتنقل والتقاط عدد كبير من الصور لمواقع تاريخية خارج وسط المدينة المنورة، فالتنقل داخل المدينة كان مشيا على الأقدام.

وقال عن بداية مشروعه: ”بدأت بطباعة 1000 بطاقة بريدية قيمتها 50 مارك، وقمت ببيع البطاقة الواحدة بسعر 50 هللة، حتى أن أصحاب التجزئة كانوا يشترون البطاقات ويبيعونها بسعر مضاعف بجانب الحرم“.

وأضاف: ”ولأن البطاقات البريدية ترسل لكل العالم، حاولت التعريف بمشاريع وإنجازات الدولة خلف البطاقة“ علاوة على أن الحجاج والمعتمرين كان يقبلون أكثر على شراء اللوحات الورقية التي كان يطبعها بمقاس 70سم x 50 سم وهي الأكثر مبيعا وبعض الورق الجداري بحجم أربع لوحات متصلة.

كما لم يتوقف مساره الدراسي عند ذلك، ففي عام1972 م أرسلته الهيئة المركزية للتخطيط مع ثلاثة من موظفيها إلى كاليفورنيا للتدرب على أساليب البرمجة والتخطيط، واستطاع الاستفادة من الفترة المسائية بالتسجيل في برنامج الماجستير لينال أول ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة سانتا كلارا.

وعندما رجع إلى مدينة الرياض لم تقبل الهيئة المركزية للتخطيط شهادة الماجستير لرفع درجته الوظيفية، فأشار عليه سابقا د. عبد العزيز المانع «وزير دولة» فترة التعرف عليه في ولاية كاليفورنيا، بفكرة الانتقال للعيش في مدينة الظهران والالتحاق بكلية البترول حديثة الإنشاء حينها.

5 كتب

كما التحق الدكتور منير أحمد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وبدأ التدريس سنة 1975م كأستاذ مساعد، ثم بعثته جامعة البترول لإكمال درجة الدكتوراه، وعمل جاهداً ليل نهار لنيل ماجستير آداب في الاقتصاد من جامعة نبراسكا لنكون، وماجستير آخر في علوم دراسات البيئة والمدن من جامعة نبراسكا، أوماها أيضاً، بالإضافة إلى دكتوراه في دراسات البيئة والمدن من رانسيلو في نيويورك.

وعاد بعد تقاعده من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ليوثق الحرم الجامعي بمبانيه وأقسامه ولديه أرشيف خاص في مكتبته الخاصة لمدينة الخبر، ليُصدر عنها أربعة كتب.

ويعمل اليوم على إعداد خمس كتب عن المدينة المنورة وهي في «التراث المعماري بالصور التاريخية، تاريخ وذكرى، المسجد النبوي الشريف والمساجد التاريخية، العمارة والتطوير بالمعماري، صور حارة الأغوات».