آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

حواريّة: ”كشف الصّدر في العزاء“ «الحلقة الثّانية»

زكريا الحاجي

بعد أن قطعت إمّ إبراهيم الحوار، يرجع إبراهيم لصلب الموضوع:

• إبراهيم: هل أفهم أنّك مؤيّد لهذا النّوع من العزاء؟

• علي: وهل رأيتني يوماً أمارس ذلك؟

•إبراهيم: لا.

• علي: ثمّ لماذا تُشغل ذهنك برأيي؟! الأولى ينصب تركيزك على الأفكار نفسها وليس على قناعات الآخرين، كما أنّني أُسجّل ملاحظاتي على النّقاط التي تذكرها فقط، ويمكن أن أذكر لك وجهة نظري فيما بعد.

لاحظ: إذا تقرأ حركة المجتمعات البشريّة، دائماً ستشاهد لكلّ مجتمع بصمته وشعاراته الخاصة به، والدّين الإسلامي جاء في هذا السّياق؛ لأنّها حركة عقلائيّة، فهذه الشّعارات ليست عشوائيّة، بل عادة ما تتكوّن بعد تبلور نظام مجتمعي خاص، فهي - أعني الشّعارات - تحتضن في داخلها دلالاتها المرتبطة بتراث مجتمعي ما، ولهذا تعتني بعض المنظّمات الإجتماعيّة بما تبقى من تراث المجتمعات البدائيّة والمتحضّرة، لتستكشف تلك المرتكزات والدلالات المجتمعيّة، التي تُعتبر حلقة ضروريّة في مسيرة التطوّر الثّقافي البشري عند قراءة المجتمعات المعاصرة.

والأمر لا يقتصر على الطقوس الخاصّة، بل تكون بعض مظاهر تعرية الصّدر لها دلالاتها المدنيّة والحقوقيّة، ومن الأمثلة الشعبيّة والجماهيريّة: خروج الكثير من المتظاهرين إلى الشّوارع العامّة وساحات الثّورات، وهم عُراة الصّدر؛ وهذا النّوع من المُظاهرات له دلالاته العُرفيّة، وهي الإشارة إلى أنّهم على استعداد لتلقي الموت والتضحية في سبيل قضيّتهم وهم عُزّل وبصدور عارية.

كما ليس فقط في الطقوس والمظاهر المدنيّة، بل حتى على مستوى الشّعارات الدوليّة، مثلاً: يُعتبر العَلَم الوطني شعاراً مقدّساً لكلّ بلد؛ لأنّه يَحكي عن شعب ومبادئ ونظام حكوميّ، ولهذا أيّ تعدّي أو إهانة له يُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون، فالأمر يتعدّى كونه قطعة قماش.

والأمثلة كثيرة عندما نتصفّح حركة المجتمعات العقلائيّة، ونستكشف دلالاتها وسلوكيّاتها ومختلف مظاهرها، والمسلمون بمختلف مشاربهم المذهبيّة، جزء من هذه المجتمعات البشريّة لهم مظاهرهم وطقوسهم الدّينيّة.

مثل هذه المقاربات العُقلائيّة من شأنها تجعلنا نتعقّل أحكام الفقه الإسلامي، وبما يرتبط بوجوب حفظ الشّعائر وحرمة هتكها، لما تحملها هي الأخرى من دلالات شرعيّة، واعتبارات مجتمعيّة عقلائيّة.

• إبراهيم: وهل كشف الصّدور في العزاء أصبح شعاراً للمذهب؟!

• علي: لا، أنا لم أقل ذلك، يجب أن تراعي سياق حديثي حتى لا تفهمني بطريقة خاطئة، فأنا كنتُ بصدد بيان قضيّة عامة ترتبط بموضوعنا: وهو أن الطقوس وإن كانت مُستغرَبة لدى البعض، لا يعني أنّها مستهجنة، فالإستغراب شعور طبيعي يحدث بين المجتمعات؛ لِما يقتضيه التنوّع الثّقافي بينها، بينما الإستهجان يكون فيما إذا يوجد ما يُخالف الطبيعة البشريّة، كما أنّه يتولّد - الإستهجان - بعد الإطلاع على فلسفة تلك الطقوس فيما إذا كانت غير عقلائيّة، كما تفعل بعض المتظاهرات المطالبات بالمساواة بين الرّجل والمرأة، ويخرجن عاريات الصّدور للدلالة على مساواتهن بالرّجل الذي لا يُقبّحه المجتمع عندما يكشف صدره، لتصوّرهن بأنّ ذلك يعني أنّه يحق لهنّ كلّ ما يحق للرّجل، إلا أنّ الشّرطة والأمن - في أغلب الدّول - تتدخّل لإعتقالهن؛ ذلك للإستهجان المجتمعي للفلسفة الحقوقيّة لهذا النّوع من التظاهر.

• إبراهيم: حسناً، وما هي فلسفة هذا النّوع من العزاء، وما ربطه بالدّين؟

• علي: نزع اللباس وتعرية الصّدر له دلالاته المختلفة والمتعدّدة كما في المثال السّابق عند المتظاهرين، وفي مورد العزاء يدل على التفجّع، ألا تُشاهد المنكوبين على أحبائهم في التلفاز كيف يمزّقوا ملابسهم من شدّة الجزع؟.. هؤلاء المُعزّين في تعرية صدورهم يبعثون بهذه الدلالة، وأنّهم في حالة تفجّع على إستشهاد الإمام ، وهذا الفعل وإن لم يصدر بتفجّع حقيقي من المُعزّين، إلا أنّه لا يمنع محبوبيّته الشّرعيّة التي يترتب عليها الثّواب - مع توفّر باقي الشّروط -، فالتصنّع بإظهار ملامح حالة الحُزن الشّديد قد يأتي في سياق التمظهر بالتباكي، كما ورد عن الإمام الصّادق : ”من بكى أو تباكى على الحُسين وجبت له الجنّة“.

وإن وجد من خارج المذهب من يستنكر على الشّيعة في عزائهم، إن كان يتمتع بوعي كافٍ، ينبغي أن يتوجّه انتقاده إلى أصل الحُزن على الإمام ، وليس على مظاهر الحُزن.

• إبراهيم: جميل، وطالما أن الكلام مرتبط بالشّرع دعنا ننظر للأمر من الجنّبة الفقهيّة: فلا يجوز للمرأة أن تنظر إلى جسد الرّجل بريبة، وظهور المعزّين بهذه الحالة، قد يُعرّض بعض الفتيات إلى محذور شرعي.

• علي: نعم، هذا صحيح، ولعلّ هذا ما دفع بعض القنوات التلفزيونيّة لتعتيم الصّورة وحجب اللقطات التي تظهر فيها صدور المعزّين.

إلا أنّه من حيث الحُكم الشّرعي في مثل هذه الموارد: المرأة هي التي يجب عليها غضّ البصر مع وجود الرّيبة، ولا يجب على المعزّين ستر الصّدر، كما في موارد أخرى الرّجل هو من يجب عليه غضّ البصر إذا كان يبعث على الرّيبة عند رؤية وجه المرأة المحجّبة، ولا يجب عليها تغطية الوجه في البلدان المتعارف فيها كشف الوجه.

• إبراهيم: مممم.. الحديث معك شيّق يا علي.

• علي، بإبتسامة متواضعة: وأنا أستمتع بإثاراتك.

• إبراهيم: لكن لم تخبرني عن وجهة نظرك الشخصيّة في ذلك؟

يُتّبع..