آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 12:36 م

مع شخصيات الفكر والأدب - الأستاذ إبراهيم سلمان بوخمسين «3»

ناصر حسين المشرف *

فتى الأحساء..


 

محطات ثقافية واجتماعية

عودا على بدأ:

تخرجت من المرحلة الثانوية وانتقلت الى الدراسة الجامعية حيث الغربة عن الأهل وحياة جديدة ومرحلة جديدة، حيث تتبلور الشخصية. بعد السنة التحضيرية درست نصف سنة ”سمستر واحد“ في قسم هندسة الطرق، لكن رأيت ميولي تتجه الى مكان آخر، فانتقلت الى قسم الإدارة الصناعية. في الجامعة تعلمت كيف أعمل البحوث والدراسات، حيث كان ضمن برنامج التخرج أن نعمل بحوثا ودراسات، تعلمت كيف أعمل دراسة جدوى للمشاريع على الدكتور عبد الرحمن الجعفري عضو مجلس الشورى سابقا، والدكتور علي بن طلال الجهني وزير البرق والهاتف سابقا عندما كانا مدرسين بجامعة البترول والمعادن. وكان أخي وصديقي الذي رافقني في دراستي خلال المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية المرحوم عبدالله أحمد الملا أحمد شريكي في سكن الجامعة طوال الدراسة. وكان من رفقاء الدراسة الأخوة الدكتور محمد صالح بوخمسين والسيد المهندس عبدالكريم المسلم والمهندس أحمد عبدالرسول الصحاف والمهندس أحمد علي الرمضان والدكتور عبدالجليل الخليفة والمهندس جواد الخويتم والمهندس أحمد المرزوق والمهندس عبدالعزيز بوحليقة وغيرهم كثير. أما من بعض من كان معي في الفصل هو الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود وزير الطاقة حاليا والأمير عبدالعزيز بن ماجد آل سعود أمير المدينة المنورة سابقا.

كان من متطلبات الدراسة تدريب ميداني عملي خصصته لنا الجامعة لفترة ستة شهور قضيتها في شركة ارامكو، وفي نهايتها كان عليَّ أن أقدم بحثا عن هذا العمل باللغة الإنجليزية، فتم ذلك وجاء في ثمانين صفحة تقريباً. هذه المهارات ساعدتني مستقبلاً مع ما راكمته من قراءة في استثمارها وترجمتها على أرض الواقع. كنا نستخدم باصات شركة ارامكو للذهاب من والى الجامعة، وكم لنا من حكايات في هذه الباصات وكان منها:

”أبيات“ ذالفِ

لا يغيب هذا المشهد عن الدكتور محمد صالخ بوخمسين ”لله ذالفِ“ ولا عن بقية الشلة وقد أشار أخي أحمد الرمضان في تعليقه على الحلقة الثانية: ”ولا زلت أذكر الأبيات عن الحب التي فيها“ ذالفِ "وقصته أننا كنا في باص ارامكو نقطع الطريق ذهاباً الى الجامعة بالسوالف وذكر الخواطر فكل منا يجيش بما في صدره فقلت للمجموعة كتبت هذه الخاطرة، وهي من الوجد:

يا ابنة العم في الحب انصفِ

وعلى حالات ما اعاني قفي

....

حششتِ نارا شواها في الحشا

فهي من بعد الفراق لا تنطفي

...

ولا أذكر بقيتها، ولكن محل الشاهد:

....

سنرحل يوماً عن هذه الدنا

وكل أمرئ لا بد لله زالف

طبعا حصل تصحيف لكلمة زالف الى ذالفِ، فمسكها علي الدكتور محمد صالح بوخمسين وهو دائم المرح خفيف الملح والمزاح: لله ذالفِ....ها، لله ذالفِ..... وانا متأكد من أنه سيبتسم ويضحك كثيرا عند قراءة لهذه الفقرة.

كذلك استخدام مرافق ارامكو آنذاك حيث لم تكن هناك فواصل بينهما، وكان الطريق المؤدي الى الدمام والخبر يمر عبر مقرات ارامكو وجامعة البترول. في هذه المرحلة وبعد سنتين ابتعت سيارة موديل كارينا ”تويوتا“ لونها أخضر ليموني من أخي الأكبر وثمنها وفرته من خياطتي للمشالح ”البشوت“ التي لم أقطعها حتى خلال الدراسة. قضينا أياماً جميلة في الذهاب والإياب بها مع الأصحاب والأحبة والتنزه بها في شاطىء نصف القمر ”هاف مون“ والعزيزية، والذهاب إلى مدينتي الدمام والخبر لزيارة أبناء عمومتنا. ومن المناسبات العزيزة عليَّ هي هذه الفترة وفي السنة الثالثة من مرحلة الدراسة الجامعية تقدمت لخطبة ”فتاة الواحتين“ وكان سكنها بالدمام فصرت أزور بيت العم في فترات متباعدة للسلام فكانت أيام الخطبة من الأيام الجميلة في حياتي. مناسبتان جميلتان تمتا في نفس اليوم حفل التخرج من الجامعة وحفلة الشبكة بمنزل الوالد، وأذكر أنني أنا الذي صنعت الكوشة بسطح المنزل، وكانت الكوشة مكونة من بعض جريد وسعف النخيل ولا تزال صورها موجودة عندي.

- جدار الخضر ”القدر“:

بعد أن ذكرت حادثتي الاختطاف والضياع في الحلقة الثانية التي كادت أن تغير مجرى حياتي، لا أعرف ما هو السر مع جدار الخضر ”القدر“ الذي تدخل معي مرتين في حادثتين تكاد تكونا متشابهتين كدت أن أفقد حياتي فيهما، ويأتي وينقذني وما هو ذلك الكنز الذي خبأه لي هناك، ولولا أن جاء لما كنت الآن لأكتب هذه الشذرات ولما كنت بينكم، وكلما تذكرت قول الإمام زين العابدين : ”لَيْتَ شِعْرِي أَللْشَقَاءِ وَلَدَتْنِي أُمِّي أَمْ لِلْعَناءِ رَبَّتْنِي؟ فَلَيْتَها لَمْ تَلِدْنِي وَلَمْ تُرَبِّنِي، وَلَيْتَنِي عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ جَعَلْتَنِي، وَبِقُرْبِكَ وَجِوَارِكَ خَصَصْتَنِي، فَتَقِرَّ بِذلِكَ عَيْنِي وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِي“. خلت نفسي إما أن أكون شقيا أو سعيدا وأرجو أن يختم لي ربي بالسعادة. كلتا الحادثتين وقعتا أيام الدراسة الجامعية.

الحادثة الأولى: كنا قد ذهبنا للسباحة في عين ”أم سبعة“ أنا وابن أخي حسين وابن عمي منصور أحمد وزميلنا عبدالله الحسين ”رحمه الله“ بسيارته الجديدة، وفي طريق عودتنا دخلنا الشارع الملكي وفجأة رأينا أنفسنا داخل ورشة حدادة وذلك أن سيارة مسرعة صدمتنا من الخلف وقد أصبنا بأكملنا ونقلنا إلى المستشفى. الشاهد هنا لما ذهبت في اليوم التالي إلى الورشة رأيت كيف أن ابواب الحديد ”الخضر“ التي كانت مسندة على جدار الورشة الجانبي قد منعت الجدار والطوب من أن تنهال علينا وتدفننا داخل السيارة.

الحادثة الثانية: كنت في زيارة لخطيبتي بعد ”الملكة“ بمدينة الدمام فقررت أن أزور خالتي ”أم ياسين“ وكان منزلها مجاوراً لبيت عمي من الخلف وبينهما أرض تحت التشييد، وقد بني الجدار الذي بجوار بيت عمي. وعند انتهاء الزيارة خرجت فمررت من جوار ذلك الجدار وبمجرد أن دخلت بيت عمي واستقبلت زوجتي إلا وسمعت ذلك الدوي الهائل فخرجت مسرعاً وإذا بالجدار قد انهار بالكامل، رأيت الخضر هنا مرة ثانية وما كانت إلا ثواني ولولاه لكنت كومة تحت ذلك الجدار. الى إلآن لم أتعرف على ذلك الكنز، ربما عمر جديد وربما شيء آخر.....

تخرجت من الجامعة بدرجة بكالوريوس من قسم الإدارة الصناعية عام 1402 هـ .


 

بعد التخرج تم عقد القران ووفقت بزوجة كاتبة وأديبة ”فتاة الواحتين“ الأستاذة وفاء علي بوخمسين، حيث واكبت معي الطريق وكونت لي أسرة. وكان أول إصداراتها كتاب ”بين واحتين“ وهو من أدب الرحلات.

وبعدها تقدمت لطلب الوظيفة إلى شركة أرامكو فوفقت فيها. عملت فترة بدائرة شؤون الموظفين كما ذكرت ذلك في الحلقة الأولى لفترة تسع سنوات، تعلمت خلالها فنون الإدارة والتعامل مع الرؤساء والمرؤوسين وأنظمة الشركة الداخلية وأنظمة العمل والعمال، بعدها انتقلت إلى دائرة العقود والتدقيق لفترة 16 سنة تعلمت هناك كيف يكون الإنسان مدققاً وباحثاً عن النقاط التي ربما يتجاوزها المقاولون، والتي يجب أن تكون ضمن قوانين وبنود العقود المتفق عليها. في هذه الإدارة كنت أعمل تحت رئاسة المهندس عبدالله السبتي نائب رئيس شركة أرامكو لقسم الإنتاج بالمنطقة الجنوبية. أما في وحدة المقاولين فكان رئيسي المباشر ”أبو مصطفى“ عبدالله العلوان، ثم جواد الجاسم ”أبو شوقي“ ومن بعده حسين بوشهاب. وكان معي في قسم التدقيق الأخ ”أبو أحمد“ راضي بوحليقة الذي تعلمت منه فن التدقيق. طبعاً عقدين ونصف من الزمن في أرامكو لا يمكن اختزالها في سطرين وهناك محطات كثيرة، وبما أنها تخرج عن سياق حديثنا آثرنا عدم الخوض فيها.

بعد تجربة النادي الرياضي التي تكلمنا عنها في الحلقة الثانية، أنشأنا جمعية عائلة بوخمسين باقتراح ومبادرة من المهندس رياض بن الشيخ باقر بوخمسين. فَكُلِفْت بأمانة صندوقها وبمسؤولية اللجنة الثقافية فيها.


 

كانت اللجنة الثقافية مسؤولة عن حفل بوخمسين السنوي ”نجاحي“ للمتفوقين، فكانت إدارة الحفل بيد الأستاذ عبد الكريم بوخمسين ثم انتقلت إلى الدكتور محمد صالح بوخمسين ثم انتقلت عندي، ثم إلى الشيخ حسن عبدالهادي بوخمسين. وكان المنسق العام لنا هو ابن العم السيد عبدالكريم المسلم. الآن انتقلت إدارة الحفل إلى الجيل الجديد. أنقل هذا الوقف الطريف: اجتمعنا ذات يوم لنطلق اسم خفيف على اللسان على حفل النجاح لعائلة بوخمسين، فأشرت عليهم بأن نسميه ”نجاحي“ على غرار دورة الخليج لكرة القدم ”خليجي“ فاستحسن الجميع الاقتراح وصرنا من ذلك اليوم نسميه حفل ”نجاحي“


في هذه الصورة من اليسار المترجم له ”ابراهيم“، الأستاذ عبدالكريم بوخمسين، ويظهر في الجلوس سماحة العلامة الشيخ باقر، والشيخ حسين بوخمسين

في هذه الفترة انشأت جمعية العائلة مجلة داخلية أسمتها «مجلة براعم النور» وذلك لتشجيع أبناء العائلة بالكتابة وتنمية المهارات عندهم. أصدرنا منها ستة أعداد وكُلِفْت من قبل الجمعية بالإشراف عليها، وشاركني في التنسيق والإخراج الأستاذ علي محمد الياسين بوخمسين. توقف إصدار المجلة لأسباب قاهرة ربما تذكر في المستقبل. ولا أزال أحتفظ ببعض أعدادها.


 

تكررت تجربة الإشراف هذه معي مرة أخرى ولكن على نطاق أوسع مع جمعية البر فرع الفيصلية حيث كنت عضواً فيها لعدة سنين. وفي إحدى دورات انتخابات اللجان طلب مني بأن أرشح نفسي لتولي اللجنة الإعلامية فيها، وفعلا كتب لي التوفيق لدورة كاملة ولا أنسى هنا الأستاذ الأديب عبد الوهاب الحمد الذي كان له قدم السبق في تولي هذه اللجنة لسنوات ولا يزال من روادها بوقفته ومساعدته. أيضا كنت في هذه الفترة عريفاً للاحتفالات التي كانت تقيمها الجمعية في شتى المجالات.


 

بعد وفاة العلامة الشيخ باقر بوخمسين تقدم كل من الأستاذ الشاعر عبدالله محمد بوخمسين والمهندس رياض الشيخ باقر بوخمسين باقتراح حيث طلبوا من سماحة الشيخ حسن بن العلامة الشيخ باقر بتأسيس منتدى بِاسْم الشيخ باقر بخمسين فوافق وأيد ذلك، وكان ذلك سنة 1413 هـ  وسمي بمنتدى الشيخ باقر بوخمسين الأدبي وأقمنا أمسيتين بعنوان ”نحو مجتمع أفضل“، طبعا الأمسيات سنوية، وأوقف المنتدى قبل إقامة الأمسية الثالثة. هذه الأمسيات مسجلة وقد كتبت نبذة عن المنتدى وأهدافه والمشاركات التي سوف يأتي ذكرها، في دراسة أدبية لي حول الشيخ باقر بخمسين شاركت بها في كتاب يحكي سيرة الشيخ باقر بوخمسين، سيرى النور قريباً بمشاركة كوكبة من الأدباء والعلماء والشعراء.


 

هذا المخطوط فيه أهداف المنتدى وملخص للأمسيتين المقامتين وجدول وأسماء المشاركين في الأمسية الثالثة.

أقيمت الأمسية الأولى في 26 شعبان 1413 هـ ، وشاركنا فيه كل من:

- السيد عدنان العوامي، وفقرته بحث حول كتابه " دراسة لأبي الحر الخطي - حياته وشعره.

- الشيخ سعيد أبو المكارم، وفقرته دراسة ثقافية بعنوان: غروب الثقافة في وهدات الفكر العقيم.

- الأديب الكبير الأستاذ محمد العلي، وفقرته دراسة فلسفية بعنوان ”الفرق بين الرؤيا والموقف“

- الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، وفقرته لمحات وذكريات من النجف الأدبي" وقد أفرغت هذه المحاضرة الشيقة ودققتها ووضعتها ضمن دراستي لسيرة الشيخ باقر في الكتاب المذكور آنفا.

الأمسية الثانية في 12 شوال 1414 هـ، وشاركنا فيها:

- الدكتور محمد عبدالله الشخص، وكان بحثه دراسة تربوية بعنوان " مشكلات المراهقة، النتائج والحلول. ولقد قام سعادة الدكتور سعيد أبو عالي مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية والذي كان من ضيوف الأمسية بمداخلة مفيدة حول هذا البحث.

- الأستاذ محمد رضا الشماسي، وكان بحثه دراسة لغوية بعنوان " حول اللغة العربية.

- الشاعر علي ملا طاهر البحراني

- الشاعر الأستاذ جلال بن صادق العلي

- الشاعر المهندس جاسم الصحيح

- الشاعر أنيس أحمد بوخمسين.

وبما أن الأمسية الثالثة لم تقم فآثرنا عدم ذكر المشاركين وإن كانت أبحاثهم شائقة ومفيدة وذلك للاختصار.

كان عريف هذه الأمسيات الأستاذ الشاعر عبدالله محمد بوخمسين، وكلي أمل بأن يقيض الله لهذه البحوث بالنشر وأن ترى النور لأنها قيمة جدا.

وكما وعدنا في الحلقة الأولى بذكر شيء من الخواطر الشعرية:

رباعيات فتى

الشِعْرُ لا يَحْلو إن لم يكنْ فِيكِ

ولغتي عَجْماء عنْ وصْفِ مَا فِيكِ

أ سوادُ عينيكِ يشدني أم لٌمى فِيكِ

جَفاني الكرَى فيا ليْتَكِ يَمي

...

حَيرَتنِي القوافي عنْ كُلِ ذِي قوْلِ

من مادحٍ لكِ ومِنْ قائِلٍ عَذلِ

أ يُلامُ من هامَ في حُبكِ مِثلي

لهْفي لِذاتِ الخالِ يَسْري في دمي

...

شَغفْتُ الجَوَى مِنْ لُمى الثغرِ

سَكَرْنا مَعاً من لذةِ الخَمْرِ

لا تَكشفي المخْدُور لأني لا ادري

قد نفعلُ المحذور في ساعةِ الوَهْمِ

....

في دُجَى الليلِ يَزدادُ الغَرَام

ما قيسُ ما ليلى كَمثلي في الهيام

ها هو الوجدُ قد سَطا في العِظام

عِديني بالوصلِ كَيْ يَنقضي هَمي

إلى العزيز عباس الشيخ باقر بوخمسين، إلى الكرم والجود والأخلاق بكل معانيها

خاطرة أرجو أن تلقى قبوله واستحسانه:

”أبا ياسر“

هذا ابن باقر عباسٌ ذي الكرم.... جده موسى آية الله في الأمم

تفيض كفاه بالجود دونما سرف.... كمثل زمزم تفيض على الحرمِ

أبا ياسر هذا ثنائي أبوح به.... وبالقلب حب يجري كمجرى دمي

ما زان مدحِ في أخلاقك مكرمة.... بل بمدحي إياك قد طاب فمي

يتبع..