آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 5:36 م

”يسوي نفسه عفلق“

أمين محمد الصفار *

قال لي صديقي ”أن الأمثال الشعبية على مر التاريخ هي الخزان الثقافي الكبير المعّبر عن درجة وعي المجتمع“، وقد أخترت أن اكتب هذا المثل الشعبي كعنوان للمقال كما هو باللهجة العامية دون أي اجتهاد في تغييره خشية أن ينال المعنى شيء من الخدش. يقال هذا المثل - قبل أن ينقرض - لمن يستشف من كلامه التنظير الموسع أو كما يقال بالعامية ”التفلسف“ بغير حق.

بالنسبة لجيلي كانت كلمة عفلق كلمة غريبة عليهم حينها وهي أسم ليس له مرادف، لم نر أو نسمع أحداً سُمي بهذا الأسم، كنا نسمع هذا المثل مراراً دون أن نعرف أصله، لاحقاً عرفنا أن المقصود بعفلق هو المفكر السوري ميشيل عفلق المؤسس والأب الروحي لحزب البعث.

للتداول الشعبي لكلمة عفلق في القطيف ضمن سلسلة الامثال الشعبية وفي فترة مبكرة نسبياً من ظهور عفلق الشخص نفسه رمزيته ودلالاته الثقافية والتاريخية للبيئة الخصبة والمتنوعة في القطيف.

لا أريد عقد مقارنة بين الحالة الثقافية للمملكة الدولة وبين القطيف المدينة التي هي جزء من الدولة فهذه مقارنة ظالمة وغير منطقية، لكن أود فقط الإشارة الى نظرة بعض الأدباء العرب للمملكة عموماً ومقابلة ذلك بالمثل السابق الذي يعطينا أكثر من إشارة للحالة الثقافية

في القطيف في فترة مهمة. فرغم النظرة السلبية لدى العرب عن الفكر والثقافة في دول الخليج عموماً والمملكة خصوصاً إلا أن تداول مثل هذا المثل وغيره من الأمثال ذات الدلالة من قبل عامة الناس تحديداً يكشف عن شيء من ثقافة القطيف وانفتاحها على مختلف التوجهات الفكرية

والثقافات السائدة في تلك الفترة على مستوى المحيط الجغرافي والمنطقة العربية عموماً. هذه النظرة السلبية للأسف لم تكن حكراً على دول الخليج بل شملت حتى العراق وقد ذاق من هذا الكأس أيضا دول المغرب العربي، وهو مرض كان منتشراً بين أدباء «العالم» العربي، لقد سمعت أحد أدباء المملكة يتحدث قبل سنوات قليلة بألم عن هذه النظرة الاستعلائية التي وجدها لدى بعض الأدباء العرب تجاه نظرائهم من الدول العربية الأخرى.

في السابق لم تكن الحالة الثقافية العامة في القطيف في أحسن حالاتها، فلم تكن في القطيف دور نشر بل حتى الآلات التصوير كانت مقننة الاستخدام، وبالرغم من كل ذلك كانت المؤلفات المحلية وغيرها موجودة، في المجتمع القطيفي من كان وما يزال لأسباب عدة يتمنع حتى عن نشر

حتى بعض الوثائق التاريخية ذات القيمة التاريخية العظيمة، ولعل نظرة البعض غير الشاملة التي تعزز دور العاصمة الإدارية على حساب المدن ”الصغيرة“ عمّق هذا الحرج وكان له الأثر في انتقال تطبيق العديد من المبادرات الثقافية من القطيف إلى الدمام العاصمة الإدارية.

أن السواد الأعظم للثقافة والمعرفة في القطيف هو نتاج المدرسة الدينية وسنامها المنبر الحسيني الذي يميزها عن باقي المناطق وله الفضل في جملة المعارف والتأثير والإلهام الفني والأدبي، وبالتالي فلا غرابة أن نجد في أبناء القطيف حتى الذين اتجهوا لاحقاً نحو التيارات والمدارس الفكرية المختلفة التي كانت سائدة في العالم العربي كانت نشأتهم الأولى وتعليمهم الأساس هو ضمن تعليم ومناهج هذه المدرسة الدينية الأهلية وكأن القطيفي هنا يخالف القاعدة كما تخالف نواة التمر المثل الشعبي الشهير «يطلع الحب على بذره».

لم يكن المستوى الثقافي في منطقة القطيف محصوراً بين فئتين فقط: فئة مثقفة وأخرى غير مثقفة، بل كان وما يزال عبارة عن سلسلة فئات عدة مختلفة تشكل الوان الطيف الثقافي الذي لا يمكن حصره أو اختزاله في أنماط ونماذج تقليدية ثابتة أو قوالب جاهزة عطفاً على مجتمعات أخرى هذا المثل الشعبي القطيفي يمثل كما قال صديقي أحد مفردات الخزان الثقافي المعّبر عن وعي المجتمع.