آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

حوكمة التعليم عن بعد

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

”التعليم عن بعد“ هو اختيار المضطر، من باب لا بد مما ليس منه بد، لكن ما الضمانات أن هذا الخيار يؤدى على أفضل وجه ممكن؟ التعليم عن بعد لا يقارن بالتعليم عن قرب. هو تجربة مختلفة أقل جودة بطبيعتها وسحنتها وتركيبتها، دفعت العالم إليها الظروف، فانصرفنا إليها جبرا. ويتعاقب الخبراء التربويون على المنصات، محليا وعالميا، ليؤكدوا أن ما يفقده التلاميذ كبير نتيجة تلقيهم التعليم بعيدا عن مدارسهم. ولن أجادل المختصين فهم أدرى، ولكن سؤالي، وهو ناتج عن مشاهدات متفرقة لا يمكن التعميم بناء عليها، لكنها تبقى مشاهدات حدثت وقد تتكرر. ماذا إن لم يحضر المدرس؟ أو حضر ولم يكن في ”المود“؟ أو تعطلت المنصة؟ أو لم يتابع الطالب الدرس حقيقة؟ من الذي يشرف على جودة التعليم عن بعد؟ ومن يحوكم ”ويراقب“ أداء المنظومة المنفذة للعملية التعليمية في ”المدارس“ وفي ”قاعات“ الدرس؟ من الذي يتأكد أن المدرس قام بواجبه على أكمل وجه، وفقا لبروتوكولات التعليم عن بعد؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطالب وأهله؟ هذه أسئلة بدائية علينا ليس فقط البحث عن إجابات عنها، بل التأكد أن الحوكمة قائمة وأن أدواتها متكاملة، وأن مستوياتها متعددة. وإلا فإن الأمر لن يعدو كونه ”تأشير الصندوق“ tick the box كما يقال.

وبالقطع فإن الاهتمام يتجاوز ”تأشير الصندوق“ إلى التعامل مع وضع صعب فرضته ظروف جائحة تباعد بين البشر في شتى الدول. ومع ذلك فإن الاطمئنان لسلامة التنفيذ أمر لا غنى عنه، لاعتبارات عدة ليس أقلها للحد من الفاقد نتيجة تدني كفاءة التعليم عن بعد مقارنة بالنمط التقليدي للتعليم. وحتى لا أحلق بعيدا أقول، كيف سيمارس التوجيه التربوي نشاطه؟ وهل ستكون عملية التعليم هي مجرد تحول من المدرس إلى أن يتابع كل طالب من منزله دون أي تغيير يذكر في منهجية وطرق ووسائل التعليم؟ هل سيبقى الطالب ”مبحلقا“ في الشاشة يتابع المدرس على مدى الحصة الدراسية؟ أم أن الطريقة ستكون تفاعلية متمحورة حول الطالب؟ وما دمنا نتحدث عن المنهج وأهمية إتمامه حتى يتحصل الطالب على الجرعة المقدرة من المعارف. فماذا إن كان الوصول للشبكة ضعيفا أو منقطعا أو متقطعا؟ وماذا إن فات الطالب درسا أو دروسا نتيجة لذلك، فما السبيل لتعويض الفائت؟

وأخذا في الحسبان التوجه لبناء مجتمع معرفي، ما يبرر أهمية الاستعانة بكل ما تطوله الأيدي لدعم جودة التعليم، فمن الضرورة بمكان محاكاة التجارب الناجحة لضبط جودة التعليم عن بعد والإشراف إشرافا لصيقا على حسن الأداء.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى