آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عاشوراء وثقافة الولاء

عبد الرزاق الكوي

من أكثر الحروب التي شنت وطال الأمد في استمرارية هذه الحرب، هي من أجل القضاء على نهضة الإمام فهذه النهضة هي امتداد للولاية الحقة من أجل ترسيخ ثقافة الولاية وأثرها الكبير في حفظ مكتسبات الأمة في وجه الإنحراف عن خط الرسالة السماوية، فالواقع في عهد الإمام الحسين وصل إلى مفترق طرق، بدأ التحريف يأخذ طريقه للأمه وتزوير للأحاديث مدعوما بقوة عسكرية ومادية وبشرية من أجل قتل مبدأ الولاية في نفوس المسلمين «ياخيل الله اركبي وابشري» البشرى بقتل سيد شباب أهل الجنة، والفوز بهذا الإنجاز في الدنيا من مكافأة والآخرة بالجنة، وصل التحريف أوج مراحله، بذلت الأموال والوعود بالمناصب، وماهي إلا ساعات إلا وتم فيها القضاء على أهل البيت وهم أفضل من على هذه الأرض، كان الهدف القضاء على الارتباط الوثيق بين الأمة وولاية أهل البيت حتى لا تقوم للدين قائمة، لم يكن في خلدهم أنه سينبثق من هذه الساعات القليلة راية الولاية والنصر الدائم والخلود الأبدي لهذا الفكر وهذه الثقافة في نفوس المخلصين كتاريخ ناصع بالعطاء واليقين والثبات الحق في كل عصر وزمان.

«ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس».

خروج الامام كلن تثبيت للعقيدة والولاء والمنقذ لهذه الأمة وكان الفخر والعزة بعطاء الإمام حيث أخذ بيد البشرية إلى بر الأمان، فكتب البقاء للدين بفضل الولاية وبإسم الحسين ، صنع بعطائه تاريخ يأبى إلا أن يبقى رغم كل الحروب والإنتهاكات من أجل فك الارتباط بين الأمة وولايتها وحرب شعواء على أتباع هذه الولاية المخلصين.

فالولاية حفظت الدين والقيم والأخلاق والعالم يستلهم كل تلك القيم من ذلك العطاء وحماية للأمة من الوقوع في الباطل والبعد عن طريق الفساد، دون خوف من إرهاب أو تكفير أو تشكيك، أو أفكار منحرفة تزعزع هذا الولاء والقيم، تكسرت كل مجاديف الباطل سابقا وسوف تتكسر مستقبلا وتسقط المؤامرات وتتساقط أوراق الضلال ويهدم بيت العنكبوت.

قال الإمام «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

فالولاية لقيم عاشوراء هي ولاية لأهل البيت وصولا إلى ولاية الرسول ﷺ، عاشوراء صنعت المعجزة في تثبيت مبدأ الولاية والعقيدة المخلصة والإيمان الثابت، رغم الصعاب: «هون علي مانزل بي أنه بعين الله» فكانت القوة التي لا تقهر والبقاء صوتا للحق، ثابت اليقين إنه عمق الارتباط واتحاد المصير «حسين مني وأنا من حسين» والموالين المخلصين المتمسكين بالولاية هم امتداد لهذا الارتباط الرباني واستمرار هذا الخط المبارك، مزقت الأجساد وبقيت القيم، قطعت الروؤس وظلت المبادئ، بقي الإمام على الرمضاء مضرجا بدمه، فبقي بذلك مخلدا حتى تقوم الساعه، ملك القلوب يتسابق المحبين من أرجاء العالم لنيل شرف زيارته لم ينكسر بل كان شامخا صابرا محتسبا، ارتكب من قتله كان أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية وتحمل وزر معصية اهتزت لهولها السماء والأرض، كانت اشد المنكرات وأقبح الأفعال.

من قتل في كربلاء الصادق الأمين رسول الله ﷺ، لهول الجريمة وعظم المصاب صرخت العقيلة سلام الله عليها: «أما فيكم مسلم»، لم يوجد حتى صاحب ضمير أو حس إنساني.

«ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها».

يبقى الحسين رمزا للولاية الحقة ومنارا للهدى من أجل واقع أفضل وبركات ينعم بفيض وجودها الإنسانية، راية سلام ومحبة وتآخي ووحدة، بالولاء للحسين ومبادئه يبقى الأمل لغدا افضل، انه الإرتباط بقيم السماء.

هذا الارتباط يجب المحافظة عليه وتقويته ونشر ثقافة الولاء وماتنعكس خير على المجتمع كقيمة إيمانية.

قال رسول الله ﷺ: «أني تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيها، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».

فالريادة والقيادة للأمة من بعد الرسول ﷺ والتبعية الصحيحة هي بالولاء لأهل اتباعا لقيم الامام الحسين التي كرست بالدماء الطاهرة من أجل حماية الدين ووحدة الأمة من التشتت.

قال الإمام السجاد : «نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض، كما أن النجوم أمان أهل السماء، ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، اما ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة الله».

فالأئمة هم ينبوع النور والخير والهدى والحبل الممدود بين السماء والأرض والحصن الحصين وحفظة الدين من اتبعهم فائز ومن تخلف عنهم خاسر. فأعظم الخسارة مامنيت به الأمة ببعدها عن هذا المنهل الإلهي والعمود الفقري لبقاء الإسلام وحفظ الدين، فالولاية نهج رباني ليعم خير المسلمين.

«إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون».

فأيام محرم الحرام هي إعلان لهذه الولاية والبراءة من أعداء قتلة الإمام ، فعاشوراء الحسين امتداد لصوت الولاء والبقاء تحت ظل الولاية، فكلما كان المؤمن قريبا من قيم عاشوراء كان أكثر ولاءا وأعمق اتباعا وأقوى عقيدة وثباتا في الإيمان، الارتباط بعاشوراء هو القرب من قيم السماء واتباعا للرسول ﷺ والسير على الصراط المستقيم، الحسين في كربلاء المقدسة كان صوت القرآن الناطق، كان يمثل بكلماته كلمات جده رسول الله ﷺ ليعطي المناعه عن الإنحراف والإنزلاق للهاوية.

عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «من سره ان يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، ويوالي وليه، وليقتد بالائمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهما وعلما، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي».

فالولاء تكليف جاء على لسان النبي ﷺ لجميع المسلمين وليس لفئة معينة أو مذهب معين، هذا ماجاء على لسان الصادق الأمين، وهذا ماقدم الأئمة حياتهم من أجله، وكانت كربلاء خير شاهد على هذا العطاء، من أجل استمرار ثقافة الولاء كقوة عظمى ضد الإنحراف ومحاربة الفتن وان يعم السلام المعمورة، فالارتباط بعاشوراء باباً للخير من أجل الصلاح وحماية الأجيال من التمييع والتسيب والانحراف والضياع.

هذه الثقافة الولائية وهذا العطاء المبارك يجب أن يزرع في عقول شباب الأمة ليتربوا عليه كحافظ لعقيدتهم، فالشباب يحارب في دينه ومعتقداته ويشكك في ثوابته وتحاك ضده المؤامرات، فالطريق بكل الأخطار المحدقة ليس مفروشا بالورود، يحتاج الى عناء وصبر وعطاء.

سلك الإمام الحسين طريق التضحية والولاء لله ورسوله واختار اعدائه الولاء للشيطان وأتباعه، كان معسكر الحسين يمثل قيم السماء وأعداءه قيم الدنيا ومتاعها الحرام، أعماهم المال الحرام والمنصب الحرام، قال قائلهم: «أاترك ملك الري والري بغيتي أو ارجع مأثوما بقتل حسين».

«أملا ركابي فضة وذهبا إني قتلت السيد المحجبا»

كانت الجائزة المنصب والمال، وكانت الخسارة قتل سيد شباب الجنة، فليتبع محبي قيم الحق الإمام ويتمسكوا بحبل الولاية وينشروها كثقافة ليعم الخير.

«ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون».