آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

دلع لسان الصباح

أي خصوصية في مشاهد الفجر البديع التي تستحق التمعن والتأمل فيها، بما يعود على العقل بخبرة ونضج وتوازن فكري يؤهله لنظرات ثاقبة لنفسه ولما حوله، وبما يوقد في النفس شعلة الإيمان واستحضار العظمة الإلهية حيث تتكامل نفسه وتقوى بنية المناعة فيها من خلال تأمل لحظات الفجر؟!

لتصغ الآذان المرهفة لصوت الأذان الذي يصدح من حولنا معلنا النداء للمؤمنين وتوجيههم نحو محراب الطاعة والعبادة الحقة، إذ تستيقظ الروح من غفلة خيمت عليها فيزودها ذكر الله تعالى ومناجاته والوقوف بين يدي الرب الجليل بما يخوفه من التقرب من دائرة المحرمات والمعاصي، فلسان الصباح يستثير الروح لتجعل من هذا اليوم الجديد صفحة إنجاز يحقق فيه مرحلة من التقرب من الله تعالى، فما فاته لا يعوض وما ارتكبه من أخطاء لا يمكن محوها، ولكن هذا الفجر أقبل بفرصة جديدة ليكتسي بحلل التقوى والتعويض عن تقصيره.

وفي الأجواء الهادئة للفجر فرصة للخلوة بالنفس بعيدا عن ضوضاء الحياة وزحمة مشاغلها وتعقيد مشهد العلاقات الاجتماعية، فقد لا يجد المرء فرصة تتاح له ليراجع حساباته ويعيد ترتيب أوراقه وقراءة خطواته ومواقفه، ولكن الفجر الهاديء يوفر فرصة مناسبة للتفكر في النفس وعيوبها ونواقصها، وما أجمل أن يبدأ يومه بالتخطيط للاستفادة من كل آناته الزمنية؛ لئلا تضيع الأوقات منه ولا ينتبه لذلك التفريط والخسارة الكبرى إلا بعد فوات الأوان.

وأية منحة إلهية للإنسان الواعي تلك التي يستدعي فيها مدركات فكره للتأمل في هذا المشهد الجميل بكل تفاصيله، فلينظر إلى عملية التهيؤ والاستعداد عند المخلوقات مع بزوغه لتدب فيها علامات الحيوية مجددا، إذ مع تسلل خيوط الفجر ترسل العصافير نغمات زقزقتها بما يجلب الراحة والسعادة على النفس، والشمس تبعث صورة رائعة بإرسال أشعتها الذهبية للمعمورة ليعمها الضياء والدفء، إنه إعلان إرهاصات الصباح المشرق ليقابل من الإنسان بالحيوية والنشاط والهمة لاستكمال حلقات السعي في ميادين الحياة، فلا موضع لاجترار آلام الماضي وقد انقضت فصوله وطويت صفحته، فلا فائدة ترجى من القلق والتقوقع حول النظرة السلبية، ولا مورد لليأس والتشاؤم من المستقبل وقد أتيحت أمامه فسحة أمل وتفاؤل للتعويض والتصحيح والمضي قدما نحو مستقبل واعد.

فلينطلق من المرء لسان التسبيح منزها الخالق من النقص وهو يرى الإتقان والنظام في الكون الرحيب، وما تعاقب الليل والنهار وتجدد بزوغ الفجر بشكل يومي إلا تذكار وإيقاظ للروح من تبلد الفكر والوجدان، فما أروع هذا الفيض الإلهي في كل يوم ليجدد الإنسان علاقته بربه ويتجه بها نحو الشكر على آلائه والخشية منه تعالى.