آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 6:59 م

رفض التغيير

محمد أحمد التاروتي *

يضع اصحاب المصالح العصا بالدولاب لعرقلة مسيرة التغيير، بهدف تعطيل التحولات الكبرى التي تحدث انقلابا جوهريا، في ميزان القوى الاجتماعية، ”يهلك ملوكا ويستخلف اخرين“، مما يدفع اصحاب النفوذ الاجتماعي، لاظهار كافة الاسلحة المشروعة وغير المشروعة، في سبيل ابقاء الاوضاع والعمل على اسكات كافة التحركات، الساعية لبث الثقافة الجديدة في التفكير الجمعي، لاسيما وان اتاحة المجال امام انتشار ”التغيير“ يسهم في اقتلاع الكثير من المفاهيم السائدة، ويمهد الطريق لبروز شخصيات مقابل غياب سطوة اصحاب النفوذ الاجتماعي، سواء بشكل سريع او بطريقة تدريجية.

امكانية تأخير التغيير مرتبطة بنوعية الاسلحة المستخدمة من جانب، والقدرة على تكريس الواقع القائم في الوسط الاجتماعي من جانب اخر، حيث يعمد اصحاب المصالح للتحرك على كافة الجبهات، منذ اللحظات الاولى لقطع الطريق، امام بث ثقافة التغيير في البيئة الاجتماعية، بواسطة محاولات المتكررة لقلب الحقائق، واستخدام اسلوب الهجوم، واستبعاد طريقة الدفاع، لاسيما وان الامكانيات المتوافرة لديها تطلق يدها على جميع الجهات لممارسة القهر، الامر الذي يتمثل في رسم صورة مقلوبة عن طبيعة التغيير، ومحاولة ”تجريم“ او ”تخوين“ كل من يتعاطف، او يتفاعل مع هذه النوعية من الثقافة، بهدف احداث فجوة كبرى في التواصل مع ارباب التغيير، من اجل ابقاء السطوة والمحافظة على النفوذ الاجتماعي، والحفاظ على المكاسب لاطول فترة ممكنة، بالاضافة لذلك فان اصحاب النفوذ يتحركون بالاتجاه المقابل بهدف الاحتفاظ بالقاعدة الشعبية الواسعة، عبر تحريك الادوات الكثيرة، والعمل على تكريس المفردات السائدة، ومحاولة التفاعل الظاهري مع الوسط الاجتماعي، سواء من خلال اطلاق بعض المبادرات المؤقتة، بغرض توجيه الانظار باتجاهات أخرى او غيرها من الأساليب المضادة، خصوصا وان السكوت يمثل خطورة كبرى على مستقبل ارباب المصالح.

الوقوف امام قطار التغيير عملية محفوفة بالمخاطر، خصوصا وان اسكات اصوات التغيير قد تنجح في مرحلة زمنية، ولكنه غير قادرة على الصمود على المدى البعيد، خصوصا وان التغيير من السنن الكونية، واحدى متطلبات العملية التنموية لدى البشر، وبالتالي فان البقاء ضمن دائرة ”الماضي“ عملية مرفوضة، من لدن الكثير من الفئات الاجتماعية، فالمجتمعات الساعية لمواكبة التطور الفكري مطالبة بالانتفاض على الواقع البائس، والبحث عن مخارج اخرى، من اجل الانخراط في عملية التغيير، والعمل على امتلاك الادوات اللازمة، لمواصلة مشوار ”التنمية“، بمعنى اخر، فان مقاومة التغيير تستند في الغالب لمبدأ الغلبة والقوة لدى اصحاب المصالح، بيد انها تتجاهل العوامل الاخرى الداعمة لمسيرة التغيير على الصعيد الاجتماعي، فهناك العديد من العناصر القادرة على الالتفاف، على عنصر ”القهر“ والقوة لاسكات التحركات الجادة، لنفض غبار الواقع القائم، ”فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ“.

عملية التغيير بمثابة ”نار تحت الرماد“، فهي غير مشاهدة وملموسة لدى اصحاب المصالح، ولكنها قابلة للاشتعال بين لحظة واخرى، فهي تنتظر الشرارة الاولى للانطلاق بقوة في وجه الثقافة البائسة، الامر الذي يجعل عملية السيطرة عليها صعبة للغاية، بحيث تشكل مفاجئة كبرى وغير متوقعة على الاطلاق، لاسيما وان السكون الحاصل في البيئة الاجتماعية تجاه الثقافة القديمة، لا يمثل ايمانا كاملا بهذه النوعية من الثقافة، بقدر ما ترتبط بممارسات القهر لدى اصحاب النفوذ الاجتماعي، وبالتالي فان بروز اشكالية صغيرة وهامشية تمثل انطلاقة حقيقية، للمجاهرة بثقافة التغيير في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان عمليات القهر ليست قادرة على توجيه الرأي العام، باتجاهات محددة في الغالب، فالتغيير مرتبط بالثقافة والقدرة على تكريسه في العقل الجمعي، مما يعطي دفعات قوية لامكانية الانتشار الواسع، لدى العديد من الفئات الاجتماعية.

حرب الارادة القائم بين اطراف التغيير واصحاب النفوذ، تبدأ منذ اللحظات الاولى للتعبير عن الرغبة للانقلاب على الوضع السائد، بيد ان الانتصار في المعركة مرهون بالقدرة على الصمود، وتجاهل مختلف اشكال ممارسات التهميش، التي يمارسها ارباب المصالح، سواء عبر اطلاق حملات تشويه، او بواسطة استخدام الادوات المتعددة، لاستمرار السيطرة على البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان الارادة تشكل السلاح الحقيقي، في المعركة المصيرية للمضي قدما في صراع التغيير.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد عبدالمحسن
[ الدمام ]: 23 / 9 / 2020م - 9:56 ص
عملية التغيير في العقود الأخيرة إتخذت مساراً مختلفاً في طريقة السيطرة على العقل الجمعي، هنالك حرب حقيقة بين نمطين، نمط يحاول السيطرة بالقوة الخشنة، ونمط آخر يحاول فرض واقع جديد بالقوة الناعمة، لكن من خلال الملاحظة الأولية نجد أن النمط الأكثر فعالية هو من يستخدم القوة الناعمة القائمة على دراسات محكمة في علمي النفس والإجتماع وغيرهما.
كاتب صحفي