آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

الشهيد الصدر الأول وكتبه القليلة..!

الدكتور محمد المسعود

العلامة النعماني له عظيم الأجر والمثوبة على حفظه للسيرة والتاريخ والتراث العلمي العظيم، للشهيد الصدر الأول السيد محمد باقر الصدر طيب الله ثراه.

ومن جمال روح العلامة الشيخ محمد رضا النعماني انه في كل ما كتبه عن أستاذه العظيم. لم يسلم قلمه لمشاعره عند الثناء عليه واطراءه بما يليق به.

إلا اني وجدت مقالة «منسوبة اليه»، تتحدث عن قلة كتبه التي لا تتناسب مع عظمة وتنوع معارفه وعمقها..!. ثم اوعز هذا للتوفيق والعطية الإلهية بهذا المعنى. ولنا وجهة نظر في هذا الطرح.

إن من عطايا الله للقلب العلم

﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال: 29

يتعامل الفلاسفة مع العلم بوصفه إدراك الشيء على حقيقته، كما أنّه يمثل المعرفة واليقين. لذا من عطايا الله تعالى لقلوب عباده المخلصين العلم وبما يمثله خواتيمه الحكمة، اليقظة، والبصيرة، والوعي، وعمق الإدراك، والقدرة على الاصطفاء، وحسن الإختيار وهو الفرقان الذي يجعله الله لمن يحب.

وهي منزلة من أعظم المنازل وارفع المقامات، إذ رب عالم أهلكه جهله وعلمه معه لا ينفعه، وفي دلالة المعنى العلم هو نقيض الجهل، هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا وهذا ما يمنحه الله تعالى لقلب من يحبه الله ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ونحن دائما نتضرع إلى الله تعالى من ذاك العلم الذي لا ينفع صاحبه ولا يرفعه عند ربه. وعلوم العرفان لا يجمعها قلب فاسد، ان قليلا من الخل تفسد الكثير من العسل. كذلك الرذائل النفسية كالرياء والتكبر وغيرها تحول بينها وبين إدراك القلب لهذا النوع من المعرفة إدراكا حقيقيا، ويظل الفهم بحد الصورة اللفظية المعبرة عن المعنى المجرد.

العلوم الطبيعية تحتاج الى تعلم

«وعلم آدم الاسماء كلها..». الطب، والتاريخ، الرياضيات وعلم الفلك، الفيزياء والكيمياء والفلسفة والفقه. وغيرها من العلوم والمعارف لا يمكن الالمام. بها ومعرفتها الا بالتعلم والقراءة المتعددة والدراسة الجادة لها.

وبالرجوع الى فلسفتنا مثلا نجد الشهيد الصدر الأول يناقش الأفكار من مصادرها، ويحيل التفاصيل الى مصادرها أيضا، وكذلك في كتبه التاريخية لموجزة المامه بالوقائع التاريخية وأتباع المنهج النقدي والتحليلي لها، بعد رصد حركتها في كتب الرواية والمصادر.

الصدر الأول جاء في سيرته الذاتية انه كان يقضي يومه كله في المكتبة من نعومة أظفاره، وانه كان يستعير كتبا كانت اكبر من سنه، مما احوج أمين المكتبة الى اختباره في بعضها عند ارجاعها. ولما سمع أجوبته توقف عن ممانعة اعطاءه أي كتاب يطلبه..

وهذا يعني انه ظل قرابة عشرين سنة وهو يقرأ يومه كله.. ما عدى اوقات الصلاة والنوم، مع ذاكرة فذة، ونبوغ عقلي عظيم، كما انه طيب الله ثراه.. روى تجربته في تلخيص الكتب وضرورة عصرها، وشاهد هذا قراءته لفلاسفة أوربا الأحياء منهم مثل الفيلسوف الفرنسي الجارودي ومراسلته له.

وحين دخل الى الفقه دخله بمعارف تجاوزت الحد المعرفي الثابت للحوزة الدينية حين ذاك، فتمكن بعد نيله مرتبة الإجتهاد من اعادة التشكيل والانتاج لمنظومتي الأصول والفقه.

ليس هنا «علما لدني» ولا «وحيا يوحى» و«لا علم غيب». ولا «كرامة خاصة» وإن كان ليس عنها ببعيد وهو بها جدير، بل هي حياة طاهرة بتول، ألقى صاحبها عنها صغائر الأمور، وأبعدها عن معناها العظيم الذي تبدى في خواتيمها، حياة كالحلم، وواقع مستحيل في آن..

كانت له حياة تختلف من طفولته المبكرة عن حياتنا، في أهتمامها وغايتها وسبلها، فيها تلك الطينة المعجونة بمسك النبوة وخميرتها، هؤلاء السادة من نسل رسول الله ﷺ نفحات روحية يغمرنا الله بهم كملح طعامنا، كخبز موسى في حضرة التجلي، كوهجة الروح إذ غشى البصر ما يغشى. ما زاغ البصر ولا طغى القلب. ولكنها حياة كتبها الله له كرسالة فقه وووعي وروح تتجلى وعقلا يلتقط فهم واقعه.. ثم يولي وجهه تلقاء خاتمة يحي بن زكريا.. شهيدا على يدي قاتل حقير.

اعتقد جازما.. ان العالم بعد طي المراحل الضرورية والوصول إلى العمق المعرفي، يتعامل مع خلاصة الفكرة، ولا يحتاج الى جسدها اللفظي، لأنه يولد البناء اللفظي الذي يراه أفضل للتعبير عنها.. وهنا يقرأ أسرع، ولن تتوقف حاجته للكتب والقراءة على كل حال. ستظل تلاحقه إقرأ، وأطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. ولا يمكن لعالم أو فقيه أن يستغني عن حاجته للكتب في أي مرحلة من مراحل عمره.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عبدالله علي عبدالله آل جميع
[ سعودي ]: 10 / 10 / 2020م - 1:42 م
كلام جميل وقراءةبسيطة وجميلة سلطت الضوء على نقطة من بحر عميق كالشهيد الصدر ..