آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 9:58 ص

معضلة أخلاقية ”‏Ethical Dilemma“

المهندس أمير الصالح *

في مقتبل العمر سمعنا النقد اللاذع من جهة والتأييد المفرط من جهة اخرى لمقولة ”الغاية تبرر الوسيلة ends justify means“. ومع تقادم الأيام ودخول معترك الحياة، عاصرنا أمور ومشاكل وظروف عمل متقلبة وشؤون حياة مذبذبة، تلمسنا فيها أن الحياة يوم ما تُخضع كل أنسان تحت مقصلة المحك الاخلاقي. بعض تلكم الاسئلة اثارات في النفس نوع من المعضلة الأخلاقية العميقة في اتخاذ قرارات معينة وهنا وددت الكتابة عنها لتكون بمثابة تفكير بصوت مسموع واستكشاف حقائق التمحيص.

1 - ‏الجار المزعج

قد يعز عليك إذا تطورت الإزعاجات المتكررة والصادرة من جارك لانتهاكه حقوق الجيرة. وما يزيد الشعور لديك بالاعتصار الما وغبنا هو ان يكون جارك المزعج من أبناء مجتمعك أو ممن يُصلي معك في ذات المسجد. فقد يكون الإزعاج على شكل أصوات عالية من آلة صوتية أو اصوات أطفاله او أصوات زائرية بالذات ان وقعت في أوقات متأخرة من الليل، مما ينتج عنه اضطراب في نومك. أو ان يقف جارك المزعج سيارته متعمدا أمام بوابة كراجك او يهرق جارك الماء في الشارع ليل نهار دون اي اكتراث لما يسببه هذا الفعل من مشاكل صحية وبيئية. تقع في حيرة بين أن تشتكي عليه للسلطات الرسمية ليتم تحرير مخالفات وإيقاع غرامات مالية عليه وبذلك تشكم سلوكياته اللامسؤولة أو تتفادي الشكوى الرسمية وتكتفي بالنصح المتكرر بامل ان يرتدع يوما ما! وكلا القرارين يجعلك في حيرة من تبعاته على اكثر من صعيد.

2 - في موقع العمل

في الطب كما في المهن الاخرى، تقع مواقف محرجة وتفرز اسئلة عميقة. فلو كنت انت أو انا في مدخل قسم الطوارئ بمستشفى ما، فهل نكتفي وأياك بتطبيق شعار ”الاول وصولا، الاول استحقاقا بالخدمة first come، first served“. هذا هو الواقع والممارس علي الاغلب. الا ان الصورة تصبح اكثر تعقيدا عندما تبرز ان هناك من الناس من هو الاكثر احتياجا لخدمات الاسعاف ولا سيما في ظل الوضع الطارئ بسبب فيروس كورونا وان كان المريض الواصل هو اخر الواصلين للطوارئ. حينها سيتم شطب شعار“ الاول وصولا، الاول استحقاقا بالخدمة ”و يتم تفعل شعار“ الاكثر حاجة هو الاولى بالخدمة ". لك ان تتخيل الصورة في مشهد اكثر تعقيدا وهي ان جهاز التنفس الصناعي الوحيد تم وضعه على رجل كبير السن منذ عدة اشهر وادخل لتو رجل في ريع الشباب بحاجة لذات الجهاز. فما هو القرار الاكثر حكمة والاقرب للقيم الاخلاقية:

- هل هو نزع جهاز التنفس الوحيد من على المريض المسن وتركيبة على الشاب اليافع ام

- ترك الوضع على ماهو عليه اي الاستمرار في استخدام الجهاز على الرجل المسن وترك الشاب يواجه مصيره.

اعلم بان هناك نقاش طويل جدا بين اصحاب المدارس الاخلاقية لهذا السيناريو وما شابهه. وقد واجهت بعض الدول كايطاليا وفرنسا وبريطانيا نفس المعترك والنقاش المحتدم إبان الموجة الاولى لـ جائحة الكورونا. ان ذاك النقاش اشبه ببرنامج Hard Talk.

في عالم السينما تُقدم ذات الفكرة بقوالب سيناريوهات متعددة، وكنت شخصيا الى الامس القريب اعتقد ان هذه المعضلات والنقاشات لا يمكن طرحها مع الابناء الاطفال والمراهقين وانما يمكن جدولتها في سن اكثر نضجا. الا انه اتضح لي بان بعض المراهقين والفتية ومن خلال افلام مشاهداتهم السينمائية لافلام عدة مثل فيلم الدائرة «The circle movie»، قد تم تشبيع المشاهد بفكرة انه في حالة الخيارات الصعبة وتزاحم الامور كما اوردته وصفا بعاليه فان الحياة خيار بيد صانعه وفي الحالة الموصوفة لمشهد المريض المسن والمريض الشاب فانهم يصوتون في ان يذهب جهاز التنفس الصناعي للاصغر سنا طبقا لفلسفة البعض من المدارس الفلسفية.

3 - التكنولوجيا بين يدي الاطفال بين الصناعة والصياعة

معظم الاباء والامهات المهتمين بتربية الابناء تربية منضبطة تعتريهم نظرات ريبة وحالات شك نحو عالم الانترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي. ولعل ما يعزز توجس الاباء والامهات بالريبة نحو العالم الرقمي هو ما يقرأون ويسمعون من خلال برامج وثائقية وعلمية وتسريبات صحفية من قنوات عالمية مثل BBC، DW، France 24 وCNBC عن حجم التفسخ والانحلال من جهة وحجم الاستنزاف للوقت بتوظيف اشباع غريزة الفضول. فضلا عن هذا وذاك ما يروى من قصص ضحايا الابتزاز الالكتروني والتهكيرات. في المقابل، يعلم معظم الاباء علم اليقين بان ”التحول الكبير“ للعالم مبني جملة وتفصيل على الرقمنة digitalization والتطبيقات الذكية. فاضحى من ضرورات الحياة العصرية والمهنية والعلمية والاقتصادية والتجارية اجادة فنون استخدام وتوظيف التطبيقات. وهنا تمر ايام وليال طوال على الاباء والامهات الاوفياء في ابتكار طرق ظبط استخدام وولوج عالم الانترنت والتطبيقات الاجتماعية.

الا ان عدد كبير من ارباب الاسر يعيشون الحيرة الاخلاقية في الاذن بالسماح للابناء بالتصفح في النت لسهولة اختراق المراهقين والأطفال من خلال الاعلانات التجارية المرافقة للمواد المنشورة في النت.

4 - صحيح، مقبول، خاطئ

عندما يلتحق الموظف الجديد بشركة ما فانه يحاول ان يتفهم ويفهم ثقافة الشركة ويقرأ الممارسات المعمول بها ويصنف الاعمال بين الصحبح، والمقبول والخاطئ. فلو كان الموظف الجديد ملتحق في شركة تأمين فقد يلاحظ بعض الممارسات وقد يكون بعضها تقارير مفتعلة وهذا الامر يرتطم بقيمة اخلاقية تندرج تحت موضوع الكذب. الا ان ذلك الفعل يُعتبر ضمن ثقافة شركة التأمين في ظروف ما عمل مقبول. هنا يدخل الموظف في صراع داخلي مع نفسه بين التزام الصمت والمضي في ذات الممارسة التي اقرتها الشركة حفاظا على وظيفته أو الاستقالة والانتقال او البحث عن عمل في مكان آخر. ولو أن سوق العمل شحيح والأفق ضيقة، فهل قرار الاستقالة يصمد امام قرار الاستمرار مع نفس الشركة وقد يتحول الى الولوغ في ذات المستنقع من المخالفات؟! وهنا تأتي مناقشة مفهوم " العمل بنية ما يعادل التنفيذ / act of mission equals act of commission“.

5 - القوانين البشرية مقابل الضمير الانساني

في بعض الدول تجعل الزائر او المقيم في حالة ترقب كامل لكل ما يدور حولة. فتراه يجفل او يتردد من ان يمد يد المساعدة لمن يحتاجها في مواقف عدة كأن يحتاج شخص لانقاذ مصاب في حادث أو حماية متعرضة لتحرش أو... أو... الخ. الا أن المسائلة القانونية المطولة والمرهقة في بعض الدول تجعل ممن يود ان يمد يد المساعدة في حالة تردد دائم وينتهي الحال الى اعراضه عن العمل الاخلاقي النبيل. وهذه ايضا حيرة اخلاقية كبيرة فقد ينتج عن كثرة الصدود تبلد الحس الانساني وضمور الشعور بالانتماء للمجتمع الانساني وزيادة حالات الانطواء الفردي.

6 - العلاج اسوء من المرض

‏Cure worse than disease“ شعار جعل العالم الصناعي في استقطابات متصادمة لاسيما فترة الذروة في بروز الموجة الاولى لجائحة كرونا. وسجل ارتفاع عدد البطالة في بعض دول العالم ارتفاع جنوني مخيف. فكان الكثير من العاملين بين مطرقة الفقر وسندانة فيروس كورونا. فكان بحق كلا الخيارين خيار محير اخلاقيا.

بناء القرار الاخلاقي حول محور التحليل المنطقي والاستقراء او بناء القرار الاخلاقي حول الفعل والنتائج او حول الاحساس والعاطفة او القيم التي يؤمن بها الشخص / المجتمع امر يدعو لتمحيص دقيق ونقاشات جادة وتعاطي اجتماعي ناهض.

في الختام، حتما الاسئلة ذات العلاقة بالمعضلات الأخلاقية ethical dilemma في مواضيع ومواقف حياتية كثيرة جدا ومتشعبة الا ان طرحها ونقاشها بشكل موضوعي وهادئ في الاوساط الاجتماعية والروحية الواعية لاسيما اثناء وبعد الجائحة الحالية سيبلور مقاربات وسلوكيات عملية اكبر وقد يتولد من تلكم النقاشات أعراف اجتماعية جديدة تكون مقبولة لدى الجميع او يجذر لممارسات قائمة.