آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

هكذا رأيت أبي

السيد موفق الماجد

”بعض ما رأيته في الأب السيد حمزة السيد مجيد الماجد“

السيد حمزة السيد مجيد الماجدإن هنالك العديد من الناس يعيشون في هذه الحياة، وقد تطول أعمارهم، إلا أنهم يمرون ويذهبون دون أن يشعر الوجود بهم، ودون أن يحدثوا أي تغيير على مسرح الحياة ومعتركها. وفي مقابل أولئك، هناك العديد من أعالي الناس من يرحلون عن الحياة وقد لا يخلو يوم أو ساعات إلا وتشعر بوجودهم وكأنهم أحياء يرزقون بما أولوا وقدموا وأفاضوا من حولهم بالخير والنعيم والحب. فترى بعضهم يبنون هنا ويصلحون هناك، يعطفون على هذا ويعينون ذاك. فهؤلاء هم من يصعب تحمل فراقهم، وقد يستحيل نسيانهم، هؤلاء هم من تشعر الحياة بفراغ وجودهم وفقدان دورهم.

وإن أبي - رحمه الله - مِنْ مَن يصعب على قوة فكري أن تضعَ حائلاً من النسيان. فكيف ينسى من يتصف

بصفات لا يتصف بها إلا أصحاب النفوس العالية، فلقد كان يتصف بصفات ومزايا جمة، ومن هذه الصفات أنه:

1 - كان من ما يتجلى فيه حبه للدين والمتمسكين به. وكان منطلقه في هذا الحب إيمانه الراسخ بالله ورسوله وولاية أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، ووعيه بأحكام الدين وأهدافه. وكان يؤمن بالوسطية والانفتاح والسماحة وعدم التزمت والإنكماش على الذات والإعراض عن الآخر.

2 - محبته العميقة وعاطفته الفياضة تجاه والديه وأبنائه وزوجته وغيرته عليهم.

3 - محبته للحق، وبغضه للباطل والظلم، فقد كان يحاول أن يقف بجانب المظلوم ويسعى لنصرته - ما استطاع -، وقد تجلى ذلك في مواقف عديدة. ومن بين تلك المواقف حصول خلاف بين قريبين له، أحدهما أكثر قرابة من الآخر بكثير. ولما رأى الحق مع الطرف الأبعد، وقف معه واستنكر فعل المقرب منه.

وفي موقف آخر، كانت هنالك قضية جنائية، ولعلاقته

الوثيقة بصاحب الحق فقد طُلِب منه التدخل للوساطة ليتنازل صاحب الحق عنه حقه، فرفض رفضاً قاطعاً لأنه رأى في ذلك ظلماً كبيراً وتهاوناً ومشجعاً لارتكاب الجرائم والظلم.

وتوجد العديد من المواقف اللافتة المشابهة.

4 - حبه الواضح لأهل البيت . وقد كتب فيهم الأشعار. وكان يتحدث كثيراً عن كراماتهم وفضائلهم مع أبنائه ومع كل من حوله. وكان يسرد العديد من قصص وكرامات أهل البيت مع أفراد عائلته كباراً وصغاراً. لقد كان يتحدث كثيرا مع المدرسين الذين كانوا يعملون في المدرسة التي كان يديرها عن مآثر أهل البيت .

السيد حمزة السيد مجيد الماجد

5 - تعلقه الكبير بالاستماع للقرآن الكريم من كبار مقرئيه كالمنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد والطبلاوي رحمهم الله وغيرهم. وكان يمتلك العديد من الأشرطة المسجلة لهم. ومن حبه الشديد لذلك فقد كان يشغل شرائط ”الكاسيت“ في إذاعة المدرسة أثناء الفسحة. وكان الطلاب يستمعون أثناء فسحتهم لكبار قراء القرآن

الكريم. وكان رحمه الله كثيراً ما يشغل شرائط ”الكاسيت“ للاستماع للقرآن الكريم أثناء سيره بالسيارة لمختلف وجهاته وفي ذهابه وإيابه من المدرسة التي كان يعمل فيها.

6 - لقد كان كثير الاستماع للمحاضرات الدينية من كبار العلماء والخطباء، سواء عبر التليفزيون أو المذياع.

7 - حبه وتقديسه لأولياء الله، وكبار علماء الدين والمراجع. وكان يحرص على متابعة تصريحاتهم وخطبهم وتوجيهاتهم.

8 - اهتمامه بمتابعة الأخبار العامة من خلال التليفزيون أو المذياع، وكان يحرص على متابعة أخبار وقضايا المسلمين. وكان يتفاعل مع هذه الأحداث ويحرص على الحديث مع أصدقائه أو أولاده حول هذه الأحداث وتحليلها.

السيد حمزة السيد مجيد الماجد9 - حبه وتقديره لنسل الرسول ﷺ. وكان كثيراً ما يعطي للمنتسبين له ﷺ الاهتمام والتقدير الخاص.

10 - حبه لأرحامه والمداومة على صلتهم. فكان يصل من قطعه، ولم يكن ليقتصر في زياراته على زيارة نظرائه والذين يوازونه في المنزلة كالأخ وابن العم وابن الخالة، بل كان يزاور أبناء أخوانه وأبناء أبناء أخوانه ويتفقد أحوالهم. وعلاوة على زياراته لأرحامه فقد كان يدعو دائما للتلاحم بين الأرحام. وكان يسعى لإزالة أي سوء فهم بين الأرحام ليعم الوئام وتزول القطيعة.

11 - السعي لحل مشاكل الناس وتقديم المساعدة لهم. فقد كان أحيانا يعطي من جيبه الخاص لمساعدة بعض الطلّاب الفقراء الذين يدرسون في المدرسة التي كان يديرها - وهذا ما نقله أكثر من مصدر -. وعلاوةً على ذلك فإن له مواقف عديدة في إصلاح ذات البين، ورد الأزواج لبعضهم. وقد سعى في تزويج العديد، سواء لأقاربه أو عامة الناس.

12 - بصيرته ووعيه وحكمته في تحليل وفهم مختلف القضايا الاجتماعية والمشاكل الأسرية. فقد كان يمتلك

حدساً في فهم القضايا، ومن خلال عمقه في هذا الفهم، فإنه يبتكر الحلول الناجعة ويتخذ المواقف السليمة - في الغالب -. فأحياناً يكون لدى جميع أطراف المشكلة توجه معين في الفهم وتحليل الأسباب ووضع الحلول، بينما يبتكر هو - رحمه الله - حلولاً لم تكن في بال أغلب الأطراف.

السيد حمزة السيد مجيد الماجد13 - حُسن منطقه وطلاقة لسانه ولباقته وقدرته الكبيرة في الحديث وإدارة الحوارات. ففي أغلب المجالس التي كان يحضرها، كان له قصب السبق في إدارة الحوارات التي كانت تخاض فيها.

14 - ومن ما يتصف به هو إخلاصه في العمل وتميزه في الأداء. وحيث أنه كان يشغل منصب مديرٍ للمدرسة في أغلب حياته العملية، فقد كان أول الحاضرين ومن النادر أن يتأخر عن الحضور، وكان - في الغالب - من أواخر المنصرفين عند نهاية دوام العمل. وقد كان يمتلك مهارة في إيجاد الحلول الناجعة لمختلف المشاكل الإدارية، ويمتلك قدرة في تذليل الصعوبات وإزالة المعوقات التي تطرأ في أي بيئة عملٍ. ولم تكن قدرته الإدارية

لتجعله صارماً وقاسياً في اتخاذ القرارات حيال أي خطأ أو تقصير يصدر من أحد منسوبي إدارته، بل كان يتصف بالمرونة ومراعاة مختلف الظروف التي قد تطرأ في إدارته ومنسوبيها.

15 - قدرته الإدارية العالية، وامتلاكه للحس القيادي والإداري، وتمكنه من إدارة المدرسة بكفاءة عالية، ما جعله يتقلد زمام منصب إدارة المدرسة طوال مدة حياته العملية تقريبا. وكان يُعَدّ أقدم مدير مدرسة من سكان القطيف، أو من بين أقدم مدراء المدارس الذين يسكنون القطيف - على أقل تقدير -.

16 - امتلاكه لمهارات متعددة متنوعه، فلقد كان يجيد بعض مهارات النجارة، حيث كان يصنع العديد من الأعمال الخشبية. فعلى سبيل المثال قام - خصوصاً بداية زواجه - بصنع عدة سُرُر لأبنائه وبعض قطع الأثاث.

السيد حمزة السيد مجيد الماجد

17 - عاطفته الجياشة في مختلف علاقاته الإنسانية والاجتماعية والعائلية. فكان كثير الملاطفة للناس

ويتصف بدماثة الأخلاق وحسن المعاشرة، ومنفتحاً على مختلف الأطياف. ولقد كان التواضع والسماحة صفتان ممتزجتان في طبعه وتصرفاته وسلوكه. فكان يتحدث مع الصغير والكبير، ويتلاطف ويمازح الجميع دون أن يسقط في أتون الوهن والضعف، ودون أن يخدش هيبته.

18 - حبه للحوارات العلمية والفكرية. إذ كان - رحمه الله - يطرح المواضيع الفكرية سواء ضمن جلساته مع أصدقائه وزملائه ومع أفراد أسرته. فكان يطرح بعض المسائل اللغوية والدينية في جلساته الأسرية مع أبنائه، فيدور السجال بين أبنائه، ويتسابقون لحل تلك المسائل في جوٍ مفعم بالثقافة والحب.

19 - صبره على البلاء وتوكله على الله. فبالرغم من شعوره العميق بالحزن لما أصابه من شلل نصفي جرّاء إصابته بنزيف دماغي، وعدم قدرته على التحدث بوضوح مع الآخرين، فقد كان يعاني حينها من صعوبة في إيضاح ما كان يود قوله، فينتابه شعور بالحزن الشديد والحسرة والإنكسار. فمن قدرةٍ على الحديث

وحسن المنطق وطلاقة اللسان واتصافه بالمتكلم، إلى مآلٍ جعله لا يتحدث إلا بصعوبة وطريقة غير مفهومة. إلا أنه ومع شعوره بالحسرة والحزن على حاله فإنه ”يسترجع“ ويقول؛ هذا أمر الله.

هذا ما استطعت تدوينه، وعذراً يا أبي، فأنت تستحق أكثر بكثير، ولكني أنا الصغير حاولت أن أصِف الكبير. فما أهون أن يصف الظل الشمس.

أقول ذلك ليس لأنه أبي، بل لأنّي رأيت فيه ذلك. داعياً له بالرحمة وعلو الدرجات وأن يسكنه الله في جنانه مع محمد وآله ساداته وأجداده صلوات الله عليهم أجمعين. ورحم الله من قرأ سورة الفاتحة وأهدى ثوابها إلى روحه وأرواح المؤمنين والمؤمنات مع الصلاة على محمد وآله.

ابنه؛
موفق السيد حمزة الماجد
السبت 29/ 2/ 1442
17/ 10/ 2020م

السيد حمزة السيد مجيد الماجد