آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الأمر مختلف مع الموجة الثانية

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

الموجة الثانية وصلت، وهي تنهش في 20 بلدا أوربيا من جديد. ماذا سيعني قدوم الموجة الثانية للاقتصاد العالمي؟ بالتأكيد الأمر مختلف هذه المرة في ظل التجارب المكتسبة على مستوى نظم الرعاية الصحية في دول العالم، وفي ذلك ممارسة البشر ومعاناتهم مع كورونا على المستوى الشخصي والأسري. لكن التحدي قد يأتي على مستوى السياسات المالية والاقتصادية من جوانب مختلفة. فماليا، كيف بوسع الدول أن تغطي نفقاتها وسط تراجع الإيرادات؟ والإجابة حتى الآن عبر الاستدانة إن استطاعت، وهي لن تستطيع ذلك لفترة زمنية مفتوحة، بل تشتري وقتا ريثما تعاود اقتصاداتها النمو وتوليد الإيرادات التي تغذي الخزانة لتغطية المصروفات ولسداد ما يستحق من ديون. وهكذا، فهي ”فسحة“ لا أكثر، أما ما يعول عليه فهو معاودة آلة الإنتاج العمل بوتائر متصاعدة وعلى أسس مستقرة. لكن كيف ذلك.؟

متانة الأسواق ليست أمرا هامشيا، فآدم سميث عندما تناول تأثير ”اليد الخفية“ فقد كان يقصد توازن الأسواق، فضلا عن أن الدراسات الاقتصادية المعاصرة، ولا سيما تلك المختصة باقتصادات الدول النامية، قد بينت أهمية وضع سياسات عامة توجد الظروف والمناخ لخفض تكاليف ممارسة الأعمال وبالتالي ”تكلفة الصفقة“، بما يؤدي إلى رفع كفاءة الأسواق، وتحسين أداء الاقتصاد، وبالتالي نموه. والحوكمة الجالبة لمتانة السوق تتطلب: 1. اقتراح سياسات ملائمة لتحسين أداء الأسواق ضمن سمت وسياق متسقين. 2. امتلاك الجهات المشرفة على تنظيم الأسواق قدرات فنية لحوكمة تنفيذ سياسات اقتصاد السوق، كشرط سابق ومتطلب ضروري التحقق لجعل اقتصادنا ينمو نتيجة لتحسن الكفاءة الداخلية لأسواقه. فالسوق المعتلة - في أي اقتصاد وفي أي بلد - لا تقوم بوظيفتها الأساس، وهي التوازن عند تقاطع العرض والطلب، بل يكون توازنها بيد قوى سواهما. ومع فشلها في التوازن يتلاشى انطباق جل المفاهيم الاقتصادية، فتتدنى الكفاءة الداخلية نتيجة عدم قدرة الجهة المكلفة بتنظيم السوق أن تنظمها فعلا. وهذا خلل فادح، وإلا فما وظيفة الجهات المنظمة للأسواق، وما القيمة التي تجلبها للاقتصاد إن لم تحوكم المنافسة بصرامة تؤدي لموازنة العرض والطلب بأن تصنع للمنتجين - وإن كانوا قلة - بيئة تحاكي سوقا تنافسية؟.

تتعدد طرق دفع الاقتصاد للنمو، لكن التحديات التي سبقت الإشارة إليها، ومنها كورونا وتراجع إيرادات الخزانة العامة، تحد من حيز الخيارات التي بمقدورها تسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفي الوقت نفسه تجمع بين: «1» إفاقة الاستهلاك. و«2» تقنين الإنفاق العام، وليس بالضرورة خفضه بل إعادة توجيهه. كل ذلك يشير إلى سلوك طريق غير تقليدية، ترتكز على علاج أسواق تعاني فشلا جزئيا أو كليا.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى