آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 5:20 م

لأجل صحافتنا الورقية

زينب البحراني *

رغم عنق الزجاجة الطويل الذي مازالت الصحافة الورقية تُحاول اجتيازه على أمل الوصول إلى بر الأمان، إلا أنها مازالت صامدة أمام كل الضغوطات التي تسعى لتقليل فُرصها للبقاء على قيد الحياة، وهذا الصمود الباسل لما تبقى من صُحف ومجلات مطبوعة هو الأمل الحقيقي للكاتب والقارئ الواعي بالمحافظة على عالم الصحافة الرصينة الرزينة، الانتقائية في اختيار فريقها من كُتاب وصحفيين وفنيين مُتميزين، بعيدًا عن فوضى عشوائية كثير من مواقع الصحافة الإلكترونية، والمستويات الهابطة لما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» من أخبار غير دقيقة أو مقالاتٍ ضحِلة المعنى والمبنى.

البعض يزعم أن سبب تراجُع الصحافة الورقية هو تقدم العالم الرقمي الإلكتروني، والبعض مازال يُلقي باللائمة على المُجتمعات التي لا تقرأ، وهما عُذران غير مقبولين لتفسير تلك الأزمة، لأن العالم الرقمي يصلح لأن يكون وسيلة تسويق ممتازة للصحافة الورقية لا عدوًا ومُنافسًا لها، أما المُجتمعات التي لا تقرأ فمازالت تهوى التسلية وتتلذذ بالمعلومة المشوقة التي تتلقاها من الورق كما تتلقاها من العالم الافتراضي، ومازال ينعش روحها التقاط صحيفة أو مُطالعة مجلة ذات أخبار ومعلومات مُعاصرة مُتميزة، ولولا هذا ما ظلَّت المطبوعات الورقية الدورية قادرة على الصمود، كما أن أكابر المُجتمع ونُخبه الراقية على الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياسي مازالت تُفضل مُطالعة الصحافة الورقية وتنأى بنفسها قدر المستطاع عن هستيريا الأخبار الإلكترونية حفاظًا على وقتها ومشاعرها وقُدراتها الفكرية، لكن المُشكلة الحقيقة التي لا يعترف بها القائمين على هذا المجال تكمن في تلك الفوضى والعشوائية التي عمَّت أجواء المؤسسات الصحفية في فترة ما، وأدت إلى انهيارها تدريجيًا.

من صور تلك الفوضى والعشوائية إسناد مهمة رئاسة أو إدارة التحرير لأشخاص لا يمتازون بالكفاءة الكافية لاعتلاء مقاعد تلك المناصب التكليفية، فصاروا يحشرون مَن هب ودب ممن تميل لهم أنفسهم للعمل في هذا المجال دون خبرة أو معرفة أو شغف كي يستمتعوا بالأجور والمُكافآت التي تدفعها تلك المؤسسات، وبالمقابل يُزعجون الأكفاء ممن يمتازون بخبرة في المجال ذاته لإجبارهم على الاستقالة والمُغادرة. ومن صورها الأخرى أنانيَّة بعض الكُتَّاب الذين يرفضون كتابة أي نصٍ أو مقال مهما كان قصيرًا دون مكافأة مالية أو أجرٍ مادي، وأنانية بعض الصحفيين والفنيين ممن يُسرفون في استغلال بعض الفرص المُتاحة لهم استغلالاً يؤدي إلى الإفراط في هدر موارد تلك المؤسسة الإعلامية على مصالحهم الشخصية حتى تصل إلى حدود الإفلاس ثم الأفول التام، عدا عن بعض المعارك الصبيانية الرخيصة التي كانت تدور بين غير الجديرين بالثقة في كواليس الأروقة الصحفية.

إن بقاء الصحافة الورقية يعني بقاء جزءًا كبيرًا من هيبتنا نحن الكُتاب المثقفين والأدباء المُبدعين، لأن محطَّات الغربلة التي تجتازها المادة المكتوبة قبل أن تقبل تلك الصحف نشرها تُحيط الكاتب بهالة من تقدير واحترام القُّراء، وهذه الهالة تستحق منَّا المُساهمة في بقائها ولو بالكنز الوحيد الذي نملكه: "الكلمات".

كاتبة وقاصة سعودية - الدمام