آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

الازمات الاجتماعية

محمد أحمد التاروتي *

تواجه المجتمعات البشرية الكثير من التحديات، والعديد من الازمات، تبعا للحراك الداخلي من جانب، والضغوط الخارجية من جانب اخر، مما يدفعها للمواجهة في المقام الأول، والعمل على إيجاد توازن عبر التركيز على الخيارات المناسبة، بهدف السيطرة على التماسك الداخلي أولا، للخروج من الازمات على اختلافها ثانيا، باعتبارها السلاح الفعال في انقاذ البيئة الاجتماعية من الخطر الوجودي، لاسيما وان انفراط العقد الاجتماعي يفتح الطريق امام تفاقم الازمات، ويعطي مساحات واسعة للتشابك الداخلي.

الازمات الاجتماعية اختبارات عملية لمدى التماسك الداخلي، فهي قادرة على إعطاء صورة واضحة للارضية التي تقف عليها، فاذا كانت صلبة وقوية فانها ستواجه تلك بمزيد من الثبات، والمزيد من القوة، مما يقلل من الاثار المترتبة على بروز تلك الازمات على السطح، انطلاقا من مبدأ ”الضربة التي لا تقتلك تقويك“، الامر الذي يساعد المجتمع على الخروج من الازمات بشموخ وانتصار كبير.

فيما المجتمعات التي تقف على أرضية رخوة، فانها سترفع الراية البيضاء سريعا، نظرا لافتقارها للعناصر الأساسية القادرة، على الوقوف في وجه التيارات الجارفة، الامر الذي يحدث خللا كبيرا في التركيبة الاجتماعية، نظرا لغياب الانسجام التام بين الفئات الاجتماعية، مما يجعل السيطرة على الازمات صعبة، وبالتالي فان خطر السقوط في وحل الازمات، يبقى قائما على الدوام، مما يحدث حالة من الانهزامية، في الثقافة الاجتماعية السائدة.

النظرة للازمات تشكل مدخلا أساسيا، في اتخاذ الاليات المناسبة للمعالجات الحقيقية، فاذا كانت تتسم بالاضطراب والخوف يحدث اثرا سلبيا، مما يعطل العقول عن استيعاب تلك الازمات بالطريقة المناسبة، الامر الذي يتمثل في اتخاذ القرارات الانفعالية والارتجالية، بحيث تجانب الصواب في الغالب، وتخلق تداعيات سلبية، لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية، جراء الدخول في متاهات مظلمة يصعب الخروج منها، فيما ستكون الأوضاع اكثر عقلانية بمجرد انتهاج الهدوء، واعتبار الازمات محطة كغيرها من المحطات الحياتية، لاسيما وان المخاطر التي تواجه المجتمعات ليست قليلة، مما يستدعي الاستعداد والعمل على توفير الأدوات اللازمة، لمواجهة المعركة الحياتية بالأسلوب المطلوب، مما يفرض البحث عن الحلول والعمل على إيجاد العناصر المناسبة، لاستيعاب ردود الأفعال بالطريقة الملائمة، بعيدا عن القرارات الانفعالية والأساليب الفوضوية.

عملية البحث عن الحلول لمواجهة الازمات الاجتماعية، بحاجة الى معرفة الجذور، وكذلك التعرف على الأطراف المحركة، لاسيما وان الازمات تختلف باختلاف أطرافها المحركة، وكذلك أهدافها المنشودة، مما يتطلب الحصول على المعرفة الكاملة قبل الانطلاق للمعالجة، الامر الذي يفرض الابتعاد عن الحلول ”المعلبة“، والعمل على دراسة الازمات بشكل احترافي، للتوصل الى الحلول المناسبة، لاسيما وان هناك الكثير من الازمات لا تتطلب الكثير من الجهد، بقدر ما تحتاج الى الهدوء، والحرص على التعامل بحكمة، لتفادي خروجها عن السيطرة، ودخولها في خانة الازمات المستعصية.

الدخول في المواجهة المباشرة مع الازمات، ليس حلا في بعض الأحيان، فهناك بعض الازمات بحاجة الى المعالجات الجانبية، بهدف السيطرة على الأطراف المؤثرة فيها، وبالتالي فان إطفاء الحرائق الجانبية يقضي على تلك الازمات بشكل مباشرة، باعتبارها أزمات ذات مفعول غير مباشر، فيما توجد أزمات حقيقية وخطيرة على المجتمعات البشرية، نظرا لما تمثله من خطر وجودي على الكيانات البشرية، مما يستدعي التحرك الجاد لخلق الأجواء المناسبة، للسيطرة عليها قبل استفحالها، وتحولها الى بؤر سرطانية، وبالتالي فان النظرة الشمولية للازمات تسهم في انتهاج الاليات المناسبة، للتعاطي مع الازمات الاجتماعية على اختلافها.

التحرك الفاعل لمعالجة الازمات الاجتماعية، خطوة أساسية لمواجهة التداعيات المترتبة عليها، لاسيما وانها تستهدف احداث انقسامات حقيقية، في البنية الثقافية الاجتماعية، مما ينعكس على التعاملات اليومية لمختلف الفئات الاجتماعية، بحيث ينعكس على التماسك الداخلي، الامر الذي يشكل خطورة كبرى على المدى المتوسط والبعيد، مما يتطلب التعاطي بمسؤولية مع تلك الازمات لابقاء الأمور تحت السيطرة، خصوصا وان تجاهل الازمات يترك تداعيات خطيرة على المجتمعات البشرية، فالجرح الصغير يشكل خطورة على الجسم بمجرد تجاهله، وعدم التحرك لمعالجته، عبر استخدام الادوية المناسبة، واختيار الوقت المناسب.

كاتب صحفي