آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

هوس التصوير وفقدان المشاعر الإنسانية

لبانة إبراهيم آل بزرون

كانت الصورة سابقًا تستخدم للتوثيق البصري لكل ما نود أن يبقى محفورًا في ذاكرتنا البصرية وفي ذاكرة الأجيال التي تلينا، لقد خدم التصوير حياتنا في كثير من النواحي الاجتماعية والعملية والاقتصادية والتاريخية.

كانت الصورة عندما تلتقط لها قيمتها وبعدها المعنوي لا المادي فقط وكنا نشعر بعمق هذه القيمة وجمالها وجمال الرجوع إليها المرة تلو الأخرى ونحن ملؤنا الحنين لجمال تلك اللحظة التي سجلتها تلك العدسة.

كانت الكاميرا لها قيمتها كذلك؛ فنحتفظ بها في مكان مخصص كي لا يمسها سوء ونعاملها معاملة الأشياء الثمينة التي نمسك بها بحذر لما تمثله من أهمية في توثيق أجمل لحظات حياتنا ولكن مع التطور التكنولوجي الذي جعل هذه الآلة متاحة في كل وقت وفي كل زمان ازداد تعلق المرء فيها وانعكس ذلك على سلوكه معها فلقد تحولت الصور من صور تحمل في طياتها الكثير مما قد يذكر إلى صور توثق كل ما قد تسقط عليه العين وتشتهي النفس أن تحتفظ به وليس من ضيرٍ في ذلك أبدًا ما دامت تلك مساحة الحرية التي يتاح لنا فيها أن نتصرف كيفما نشاء ولكن صورنا أصبحت ليست بذات القيمة؛ فصرنا نوثق طعامنا وشرابنا ومشاويرنا ومنامنا واستيقاظنا ولباسنا وغرف نومنا ومرضانا ومقابرنا وحوادثنا وحرائقنا وقبور موتانا وجثث موتانا حتى! هوس التصوير ليس أمرًا جديدًا ولست أول من تحدث فيه ولن أكون الأخيرة ولتقم بتصوير ماتشاء ما دمت لا تقوم بالاعتداء على حرية الآخرين لكن تذكر أن بعض ما تقوم بتصويره قد يكون خاليًا من الإحساس والرحمة والإنسانية وأخيرًا الذوق كذلك فلم يكن حدثًا عرضيًا وإنما تكرر بأشكال قبيحة ومتعددة؛ أن تلتقط صورة لمريض على فراش الاحتضار؛ أو امتهان لكرامة شخص أمامك أو أن تشاهد حادثًا مروريًا فتقف لتوثق لنا هذه اللحظة المرعبة وكأنها خبر جدير بأن يشاهده الناس بهذه الطريقة البشعة..

أن ترى سيارة تحترق فتنقل لنا الخبر بكل زهو وكأنك تملك سبقًا صحفيًا مميزًا، تشاهد الشخص الذي تعرض للحادث وتقوم بتصويره كذلك دون أن تحمل ذرة إحساس أو إنسانية أو رحمة بداخلك.. تخيل مشاعر أهل هذا المصاب الذي أصبح فقيدًا وهم يشاهدون المقطع الذي قمت بتصويره وانتشر كسرعة النار في الهشيم؛ شاهدوا اللحظات المؤلمة التي عاشها ابنهم والمشاهد المرعبة وهو محمول بين أيدي الناس جثة ميتة!.. كيف تصل مشاعركم لهذا المستوى من اللا مسؤولية وما الذي يتبادر لأذهانكم وأنتم تصورون المنظر بكل هذه القسوة؟ هل نفكر عندما نرفع هواتفنا للتصوير بالأثر الذي سيخلفه هذا المحتوى؟ هل من أثر جيد لذلك أم هو أثر سيء؟ أظنك تعلم أنه الخيار الثاني وأظنك تعلم أن من ضمن لائحة المحافظة على الذوق العام التي فرضتها دولتنا الرشيدة للمحافظة على الذوق هو عدم تصوير الحوادث المرورية أو الجنائية بدون موافقة أطرافها ويترتب على ذلك غرامة مالية ناهيك عن غرامة استخدام الهاتف أثناء القيادة..

حتمًا ستشعر بالخوف من الغرامات التي قد تلاقيها ولكن ضميرك حين قمت بالتصوير لم يشعر بذرة ألم أو خوف وهو يراقب هذا المنظر أو حتى يفكر في مشاعر أهل الفقيد وهم يرون هذه اللحظات الأليمة من حياة ابنهم. قليلًا من الإحساس أيها العالم ف ”ليس كل ما يعرف يقال“ وليس كل ما يرى هو جدير بالتصوير.

أتمنى أن نقف مع أنفسنا وقفة حازمة في أن نتفكر في سلوكنا وتفاعلنا مع هذا العالم من حولنا فلم يكن تصوير الحوادث بهذه الطريقة الأول ولكني آمل أن يكون الأخير أتمنى أن نتعلم كيف نزيد مقدار إحساسنا بالآخرين وكيف نعزز إنسانيتنا كذلك.. لقد قتل قابيل أخيه هابيل ذات يوم فأرسل الله له غرابًا ليريه كيف يواري سوءة أخيه.. لقد أدب الله الإنسان بحفظ كرامة الميت وكرامة الآخرين فهل لنا أن نتفكر في ذلك؟