آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

مراحل السقوط في جُبِّ الخطيئة

المهندس هلال حسن الوحيد *

احتاجت أن تُعينَ عائلتها بكسب بعض المال، فوجدت وظيفة أعلنَ عنها المتجر الكبير الذي لا يبعد عن دارها سوى عشراتِ الأمتار. ولم تكن من عقبة وصعوبة تبعدها عن كسب تلك الريالات سوى موعد بدء العمل الذي هو بعد ساعة من شىروق الشمس صباحاً، ومع هذا لم يكن للمضطر من حيلةٍ إلا ركوبها.

بدأت العمل تحسب المبالغ وتضع مشترياتِ الزبائن في أكياسِ البلاستيك، وفي العادة ليس هناك الكثير من المتسوقين قبل منتصف الصباح. مع قلة الزحمة كان ذلك الرجل الشاب البسيط يساعدها في لفِّ مشتريات الزبائن ووضعها في الأكياس، ثم لا شيء بين الزبون والزبون الآخر سوى بعض القفشات والحكايات البسيطة العامة، وبين فينةٍ وأخرى نكتة ظريفة.

طبعاً، الاثنان ملتزمان بقواعد الزواج ومتزوجان، ولم يكن ذلك إلا من المفاكهة البريئة! لكن الشيطان في العادة يحب التفاصيل والحكايات ولا يلتزم بقواعدِ الأخلاق، زوجها يغط في النوم وزوجته كذلك، وكلاهما تأخذه الأفكارُ الساذجة والسخيفة. جمحَ خياله أنَّ فيها شيئاً من الرائحة ليست في زوجته والعينان فيهما لمعانٌ يحدّهما البرقع، وخُيِّل إليها أن فيهِ رقة وعذوبة وسذاجة ليست في زوجها، وهنا كما يقول الشاعر أحمد شوقي في وصفِ مراحلِ الحب:

نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ
فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ

هل من الممكن أن يبقى الشيطان مكتفياً بالبراءة؟ ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ . كل النفوس فيها غرائز، وشهوات تثور لتدفع أصحابها إلى الخطيئة، بما يسكن في داخلها من حبٍّ للذنوب، إلا من عصمَ ربي، وزرعَ فيه من عواملِ الهداية ما يمنعه ويحميه. نعم، هو الله الذي يغفر الذنبَ لمن تاب، ويرحم من سقطَ في جُبِّ وبئرِ الضعف، ثم حاولَ أن يمسك بحبلِ الطاعةِ والإيمان ويخرج من سقطاته، لكن الأفضل أن لا تزلَّ قدمٌ بعد ثبوها، وما أسهل الزلات:

كلُّ الحوادثِ مبدأُها من النظرِ
ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ

كم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها
فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ

والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَلِبُها
في أَعينِ الغِيرِ موقوفٌ على خَطرِ

يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَتَهُ
لا مرحباً بسرورِ عادَ بالضررِ

مستشار أعلى هندسة بترول