آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

لم أعُد من البشر..! قبلتي القرائية على مدى أيّام..

علي خضر غاشي

• لجاذبيّة العُنوان وصداقتي مع المؤلّف، وإحساسي بتقاسُمي المشترك معهُ، في كثير من الهموم الفكريّة المعاصرة.. قررتُ أن أملأ وقتي بهذا الكائن الجديد، لأتعرف على هيكله الجسمي وأعضائه المضمومة تحت عُنوان ”لم أعد من البشر“..

• لا أخفي أنني أيضًا أردت أن اختبر نفسي من خلال نظرة المؤلّف، إن كنت بشرًا أم لا!

• أعمق نُقطة وجدتها في هذا الكتاب، هي ”بلاغة الكاتب“ وإدارته للقارئ ب اللفظ المُرتجز في سعة المعاني، هذا الكتاب عبارة عن شذرات وإثارات، تغوص بك في عُمق البحر، لكنّها لا تأخذُك إلى قاع المُحيط، لأنّ ذلك من وظيفة القارئ لا وظيفة الكتاب.

• لعلّ هذا كان مراعاةً لجانب التوازن في ميزة الكتاب الأساسية، وهي توجيه الخطاب العام والشمولي: ”للعلماء.. والمهندسين.. والأطباء.. والأساتذة والمفكرين.. والفلاسفة..“

في هذا المصنّف، ينتقل المؤلّف بأهل كتابه عبر محطتين من رحلة القراءة، تقف المحطة الأولى على ساحل الروح «هُناك قريبًا من القلب»، وتتحرّك المحطة الثانية لتخاطب العقل «هناك حيث يتمركز التفكير».

أوّلًا: الأسئلة الروحيّة

ركّز المؤلّف في هذا الفصل الإنسان بذاك المحتوى الداخلي، وعلى حقيقته الكامنة من الوراء، من وراء كل هذه المادّة المحيطة والحاكمة والمتسلطّة في العالم..

أُفعم هذا الباب باللفتة العرفانيّة العميقة، المثيرة للريب أوّلًا، ثم التساؤل والتأمّل، وظيفة الكتاب أن يجعلك في هذا الباب تتقاسم معه هموم ومهمّة وصول المعنى، فقد يُلجئك مثلا إلى الآية «37» من آل عمران، وقد يشيرُ إليك إلى وقتٍ معيّن، لكنّ استنباط عُمق الفكرة عليك.

اجتنب المؤلف - لحسن تدبيره - أن يكتب بلغة العرفان النظري أو فلسفة علم الكلام أو أقوال مفكري الغرب والشرق، أو أي تعقيد زائد أو إضافة غير مبررة.

ذلك لأنّ الكتاب شامل وعمومي، كما ذكر المؤلّف نفسه.

كنت أتشوق منذ فترة غير وجيزة إلى ظهور تجربة كتابيّة تتجاوز عُمق المعنى في قُصر العبارة، خصوصًا ونحن نعيش عصر السرعة والثانية وأجزائها..

اركب أيّها القارئ في سفينة ”لم أعد من البشر“ سيوصلك إلى النتيجة بسرعة فائقة كما تريد..!

امتاز هذا القسم أيضًا بالصياغة البسيطة للمفاهيم المعقدة والمنظّرة في علم الكلام والاعتقاد، فقد تجد المؤلّف مثلًا -: يختصر نظريّة كلاميّة كاملة في ثلاثة أسطر مرقّمة!

ثانيًا: الأسئلة الفكريّة..

أمّا هذه المحطة فهي الأجدر أن تدخلها بعد تحليل روحك في الأسئلة الأولى من هذا الكتاب!

مهمّة هذا الفصل الأساسيّة - في نظري - هي أن تناقش الصنميات الاجتماعيّة العامة ومفاهيمها الجامدة، الآلية للتطور والارتقاء..

لكنّ ذلك لن يكون إلّا عبر النقد اللطيف، واللفظ ”الخفيف“، مع الإشارة الكاتب إلى المقدمات الروحيّة التي تفترض تغييرًا..

قد يسأل المؤلّف عن ظاهرة عامّة - كقيادة النساء -، لكنّه من خلال الجواب يريد أن يوجهك إلى مفهوم أوسع شامل في العلاقات الاجتماعيّة في نظره.

يحاول المؤلّف أن يُعطي الحياة لتضحيات الأقدمين، ويعتبرها اقتلاعًا جذريًّا لابد أن نستنهض به حياتنا إلى اليوم، كما يصرّ على أنّ الفرد هو أداة التغيير في النظام الاجتماعي، ولذلك لابدّ أن يكون أول ما تريد تغييره هو ”أنت“ وليس المجتمع أو القانون أو الأقوياء.

ربّما أن تكون ”رئيس جمهورية“ أفضل بكثير من أن تكون رادودًا، - هكذا تحدث السيد أحمد -

وهكذا أوافقه، فخِدمة الحُسين مسؤولية قبل أن تكون مكانة أو شهرة، الحُسين مشروعه التغيير والإصلاح، تريد!؟ هيا..

الدين أوسع بكثير من أن يُختزل في رجال أو جماعة أو لبس أو قماش، الدين حركة التغيير الداخلي إلى خارج العالم، هذا هو الدين، دع كلّ التشويه فيه، وانظر إلى داخلك، ستجد الله في قلبك، أنت متدين ولكن لله وليس للجماعات.

ختامًا:

هذا الكتاب نموذج إبداعي لحركة الشباب الفكريّة، المحسّة بهمومها المعاصرة وتحدياتها الجديدة، والمتحررة من صنميات القرون الأولى وبعض العادات العتيقة للآباء، هو محاولة لبثّ الحياة في مساريب الجفاف، بعد طول انتظار وتأمّل..

هذا ما يتعلق بكم أيّها الأحبّة، نصيحتي هي المسارعة باقتناء هذا الكتاب، للتنفيس عن الجو المتكدّر أو عدم الارتواء من تضارب الأفكار في الوسط الاجتماعي..

كانت يدُ الله فوق يدك يا صديقي أحمد، أتمنى أن يأتي اليوم الذي اقتني فيه كتبك القادمة الشيّقة بالتأكيد.