آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

أنا والرأي الآخر

ليلى الزاهر *

من المؤكد أن الأفكار لاتبقى ساكنة مستقرة بل تتمرّد على أصحابها، ويصحبها تحديثٌ مستمرٌ، فتمرّ بمراحل مختلفة من التغيير بحكم التجربة الزمنية والمواقف المختلفة.

هذه هي أفكار الإنسان، فكيف بالإنسان نفسه؟!

إنّ متطلبات التغيير عند الإنسان تخضع لإيمان المرء بضرورة التغيير نفسه إذا خامره الشعور بأنه يتصرف بآليّة، ساعتها ينتفض انتفاضة يُحرك بها جميع القدرات الفسيولوجية والسيكولوجية لديه، وربما استدعى المواقف المؤلمة في حياته محاولا شطبها من أرشيفه الزمنيّ، فيملي على نفسه أطروحات متعددة، ويُفاضل بينها حتى يصل لمرحلة الإقناع.

إنّنا ندرك مدى العلاقة بين التفكير والسلوك ونعلم أنهما مرتبطان بعلاقة التناسب الطرديّ.

فكلما ارتقتْ الأفكار ارتقى السلوك، وكلّما تأمّل الإنسان قائمة السلوك الصحيحة سوف يختار أفضل مايقدمه في حياته الاجتماعية.

والمعروف عندنا أنّ الأخطاء السلوكية التي تصدر عن الإنسان هي من تصنع العيوب التي يراها الناس وتقلّ تلك الأخطاء بمرور الزمن مع تظافر جهود النضوج العقلي بالخبرة الحياتية.

لذلك تقوم الأحكام التي نطلقها على الآخرين على معايير الحداثة لا على خبرات متكدسة متهالكة.

فالمراهق الذي عاش رعونة الطيش، والتصرفات اللامبالية مرّ بتطورات نفسية واجتماعية كثيرة جعلته رجلًا مسؤولًا، يقدر الأمور، ويضعها في نصابها الملائم.

بلاشك يشعر الإنسان بمتعة عندما يتغير وتُكشف أمامه نظريات جديدة، تُغير بعض الآراء السقيمة التي كان يتبناها إلى أخرى سليمة معافاة دون تَعنّت أو سطحيّة. ومن هنا يكون واجبنا إطلاق حكم جديد عليه، ونبذ الماضي بل محوه تشجيعًا له.

إنّ سلبيات الماضي وآثاره يظللن رواكد

في سجلات بعض أدمغة الناس، فلا يغفر الإنسان عيوب أخيه الإنسان وأخطاءه بل يتذكرها في كلّ مناسبة، وهذا أمر فطريّ في الإنسان إذ ينسى جميع عيوبه ويضع عيوب الآخرين تحت المجهر.

يقول أمير المؤمنين :

«تَأمُّلُ العَيبِ عَيبٌ»

إنّ الكثير من الناس قد لامست ملابسه الأخطاء وتلوثت بأدرانها ‏ولكن الأبطال هم من استطاعوا غسلها جيدا دون ترك أثرٍ يُذكر عليها.

وقد يتطلب من الجميع مدّ يد العون لمساندتهم بأسلوب تربوي راقٍ يراعي الخصائص النفسية للإنسان.

ومن هذا المنطلق علينا أن نغفر ونُسامح كل من أخطأ بحقنا. كما يجدر بنا ألّا ننسى أن المنهج الإلهي نفسه أمرنا بذلك، فعندما يتكرر الأمر بالعفو فالنفوس الكبيرة هي التي تبادر، تُسامح، ترفق لأن قدوتها الله عزّوجلّ فأبوابه مشرّعة أمام التائبين.

وتكرار الأمر بالعفو والصّفح في القرآن الكريم دليلٌ على التأكيد عليه.

‏ «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ»

‏ «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»

‏ «وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ»

وروي عن أمير المؤمنين أنه قال:“ لو وَجَدتُ مؤمناً على‏ فاحِشَةٍ لَسَتَرتُهُ بثَوبِي”

لا كما يعمد البعض لنشْر الفضائح ونبش الماضي ونعت أصحابه بأبشع الصفات.

إنّ ذكْر النقائص الماضية إهانة لأصحابها وتحقيرا لشأنهم أمرٌ يعود لأسباب عديدة في طليعتها انكماش التفكير وفقدان الثقة

بالنفس.

أيّها التائب من الذنب:

وُلدت كيوم أنجبتك أمك، فعندما تُعطى فرصة جديدة، وتصبح صفحتك بيضاء لاتكرر أخطاءك القديمة فتخذل من وثقوا بتوبتك.