الغَرام بالمقاطع الصفراء - كلنا عورات وللناس أعين
حقا، كم منا من يتمنى أن سره في لحظةٍ ما طُمر في جٌبِّ النسيان ولم يُكشف، ولم يعرفه سوى خالقه ومن يحتاج أن يعرفه؟ ربما أغلبنا، فمن الأجدى إذاً أن لا نعين من يفضحنا ولا نعطيه الفرصة. فكثير من علاقاتنا يحكمها المثل الشعبي القديم ”جلد ماهو جلدك جرّه على الشوك“. فلا الناس ولا الصحف الصفراء ولا المواقع الالكترونية يهمها أو يعنيها الستر، بل السبق ونقل الخبر!
وحقا، ما الفائدة الاجتماعية من نشرِ وإذاعة المقاطع المصورة، وكأنها سبقٌ في كشف سرّ علمي أو اختراع تقني ذي قيمة؟ غير نشر وإشاعة الجوانبِ السيئة للمجتمع والتي من المفترض أن يسترها اللهُ والناس، ولا يكون أصحابها علكةً في أفواه الآخرين!
اختفت تقريباً معظم الصحف الصفراء، وهي الصحافة التي تنشر القصصَ المثيرة وشائعات المشاهير ونجوم الرياضة، ووجهات النظر السياسية المتطرفة، وأخبار الوجبات السريعة والتنجيم والحوادث. كانت صحفاً صفراء صغيرة ومكثفة، وحلَّ محلها الآن المقاطع الاجتماعية المصورة التي تفضح الناسَ سواءً علموا أم لم يعلموا، رضوا أم لم يرضوا.
فلا يمر يوم دون أن ترى وللأسف مشهداً مصورا لا يخدم سوى الفضائح وإثارة غرائز حبّ الاستطلاع السلبي. وكأنَّ المجتمع كلما ارتفعت حيطانُ بيوته وأسواره انكشفت عوراته وأسراره، وبعضها ليس مما يسر عقلاءَ الناسِ أن يروه. هذا النوع من المقاطع الصفراء عملٌ غير مهني يهدف إلى إثارةِ الرأي العام وإشاعة الفضائح مستخدماً المبالغة أو الانحياز، ولعل من يساهم في نشرِ هذا النوع من الأخبار لا يحصل على المال، بل الإثم من الله والغضب من المجتمع ”النبيل“.
كان في الماضي كلام الناس بين الناس وقضاياهم وفضائحهم تبقى بينهم، يعرفها فقط من شهدها ومن حضر، والآن يعرفها من حضر ومن لم يحضر، كل ذلك بفضل الصورة التي وجدت لتصور وتوثق لحظات المرح والبهجة والذكريات الجميلة، فإذا بها تكشف الأسرارَ وتنشرها وتنشر أقبحَ المشاهد، والعذر أن ما جرى كان في العلن!
لسانكَ لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
وعيناكَ إن أبدت إليك معايباً
فدعها وقل يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسنُ
فمن منا معصوم عن الخطيئة ولا يرغب في الستر؟ ومن منا عصيّ أن تناله أقلامُ الناس وألسنتهم وأعينهم، وفي هذا الزمان أجهزة التصوير؟ كأني أسمعك تقول: لا أحد، لأن القانون الحاكم في الحياة هو: ”كما تَدين تُدان“.