آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 1:40 م

الاغتيال الثقافي

محمد أحمد التاروتي *

تسقيط الرموز العلمية، وشيطنة رجالات المعرفة، تشكل نقطة الانطلاق لمشروع السيطرة، على مفاصل التفكير الاجتماعي، خصوصا وان إيجاد هوة فاصلة بين منابع المعرفة والبيئة الاجتماعية، يساعد في ملأ الفراغ الحاصل بين الطرفين، مما يمهد الطريق لبدء مشروع الاغتيال الثقافي، لاسيما وان عملية السيطرة على التفكير الجمعي، تتطلب تغيير النظرة تجاه الرموز العلمية، من خلال التشكيك في النوايا والعمل على تكريس النظرة السلبية، تجاه مختلف التحركات الهادفة لنشر الثقافة المعرفية، في العقل الاجتماعي.

عملية الفصل بين الرموز العلمية والبيئة الاجتماعية، مرتبطة بالقدرة على إيجاد موطئ قدم، والقدرة على تهيئة الظروف لبث الأفكار ”السلبية“، خصوصا وان الثقافة الاجتماعية تمتلك مرتكزات أساسية، في التعامل الحسن مع الرموز العلمية، مما يستدعي إيجاد مناخات مناسبة لقلب النظرة الإيجابية، والعمل على احداث شرخ كبير في الثقة المتبادلة، بحيث تقود الى حالة من النفور الكبير، الامر الذي يدفع الرموز العملية للانزواء، والجلوس في غرف مظلمة، بعيدا عن هموم ومشاكل المجتمع ”ارحموا عزيزا ذل، وغنيا افتقر، وعالما ضاع في زمان جهال“.

الاغتيال الثقافي ينطلق من اهداف ”مشبوهة“، وأحيانا خبيثة، فالمشروع لا يصب في مصلحة البيئة الاجتماعية، بقدر ما يستهدف ضرب المرتكزات الثقافية من الداخل، مما يمهد الطريق على السيطرة التامة على العقل الجمعي، بحيث يسهل تمرير الكثير من الأفكار، والمشاريع التدميرية في المجتمع، نظرا لافتقاره للقدرة على التمييز بين ”الصديق والعدو“، ”يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ? هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ? قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ? أَنَّى? يُؤْفَكُونَ“، وبالتالي فان العملية مرتبطة بمخططات مدروسة، تهدف لسلب البيئة الاجتماعية هويته، ومحاولة زرع قناعات طارئة، وغريبة على التفكير الاجتماعي، مما يسهم في احداث حالة من التخبط والضياع، وعدم الاستقرار على المدى القريب والمتوسط، وأحيانا البعيد.

التحرك باتجاه اغتيال التفكير الجمعي، ينطلق من اسقاط الرموز العلمية، والعمل على دق اسفين بينها وبين البيئة الاجتماعية، فتارة باستخدام مفردات ”عاطفية“، وتارة أخرى عبر الترويج لافكار بديلة، مما يمهد الطريق في زرع الريبة والشك في العقول، بحيث تبرز على اشكال مختلفة، منها وضع تلك الرموز العلمية في قائمة ”المحرمات“، والعمل على اسقاطها بطرق مختلفة، الامر الذي يعطي الأطراف ”المستفيدة“ الضوء الأخضر للبدء في الخطوات اللاحقة، نظرا لتوافر الظروف المناسبة، واستعداد العقل الجمعي لتقبل الأفكار البديلة، مما يسهم في السيطرة التامة على التفكير العام، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، نظرا لانسحاب الأطراف القادرة على افشال مخططات الاغتيال الثقافي، من الساحة وتركها دون رقيب، مما يجعل توجيه الشرائح الاجتماعية عملية سهلة.

الدخول في مشروع الاغتيال الثقافي يتطلب التدرج، والعمل على استدراج العقل الاجتماعي، لاسيما وان الاستعجال لا يصب في الوصول الى الهدف الأساسي، مما يستدعي البحث عن الأدوات المناسبة، والعناصر القادرة على إنجاح المشروع ”التدميري“، حيث تبدأ العملية بشعارات براقة لاستقطاب بعض العقول ”غير الناضجة“، بهدف دفعها للواجهة والعمل على تسليط الأضواء عليها، خصوصا وانها تمتلك مفاتيح النجاح باعتبارها جزءا أصيلا من البيئة الاجتماعية، وبالتالي فان الاستعانة بالعناصر الاجتماعية عملية أساسية لنجاح مشروع الاغتيال الثقافي، لاسيما وان الانخراط المباشر دون امتلاك الأدوات المساعدة عملية محفوفة بالمخاطر، وتحمل في طياتها الكثير من التحديات، مما يستدعي اتخاذ الخطوات الاحترازية، قبل الاقدام على الخطوة الأولى.

السيطرة على مراكز القوى الثقافية في العقل الجمعي، يمنح الأطراف المستفيدة الحرية التامة، لممارسة دورها التخريبي، خصوصا وان اسقاط الرموز العلمية يفتح الساحة على مصراعيها، للتلاعب بالتفكير الاجتماعي، وكذلك امتلاك المساحات الكافية لاطلاق الكثير من المشاريع التدميرية، من خلال التركيز على بعض النواحي الهامشية، ومحاربة جميع المحاولات الجادة، لاعادة التفكير الجمعي للمسار السليم، بهدف إبقاء الهيمنة التامة على الساحة الثقافية، وبث الأفكار المتوافقة مع المشروع المرسوم.

كاتب صحفي