آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

شراكة مجتمعية

محمد أحمد التاروتي *

المجتمعات الحية تمتاز بالقدرة على طرح الأفكار الإبداعية، ومحاولة إشاعة الروح الجماعية، لاضفاء حالة من الانسجام الروحي، والتناغم الفكري، لاسيما وان الانعزالية والفردية تخلف اثارا سلبية على التماسك الداخلي، بحيث تترجم على تنامي النزعة الفردية، وتراجع الروح الجماعية، الامر الذي يسهم في افشال الكثير من المبادرات الاجتماعية، نظرا لانتشار الثقافة الانعزالية على مبادئ التعاون، والعمل الجماعي.

الثقافة الجماعية محفز أساسي لاطلاق الكثير من المبادرات الاجتماعية، نظرا لوجود عناصر داعمة لنجاح مثل هذه المشاريع على الصعيد الاجتماعي، فالمبادرات ليست قادرة على الصمود، والانتشار في البيئة الاجتماعية، دون وجود احتضان كبير من مختلف الافراد، وبالتالي فان محاولة زرع المبادرات في الأرض الاجتماعية السبخة، اشبه بالركض وراء السراب، مما يعطل الكثير من الأفكار الإبداعية ذات الأثر الكبير على المسيرة التنموية، وبالتالي فان الشراكة المجتمعية ليست قادرة على النهوض، او الانتشار في بعض البيئات الاجتماعية، ولكنها تجد أصداء كبيرة لدى مجتمعات أخرى، نظرا لاختلاف النظرة الثقافية، ووجود قناعات حقيقية، بجدوى الانخراط في نجاح هذه المبادرات الاجتماعية.

المحركات الفردية عملية أساسية في نشر ثقافة التعاون، انطلاقا من قدرة الفرد على التأثير في البيئة المحيطة، وكذلك إمكانية تكريس الكثير من القناعات في الثقافة الجمعية، خصوصا وان انتشار الثقافة الانعزالية مرتبطة بوجود عناصر، تعمل على بث هذه النوعية من القناعات السلبية، الامر الذي ينعكس على فشل العديد من المبادرات الاجتماعية، نظرا لانتشار النظرة الانعزالية، وعدم الاستجابة لثقافة التعاون، انطلاقا من قناعات غير واقعية، والتشكيك في اهداف ومرامي، تلك المبادرات الاجتماعية.

الشفافية والوضوح عنصر أساسي، في إشاعة ثقافة التعاون في البيئة الاجتماعية، فالغموض والتواري خلف ”الشيوخ ابخص“، يولد حالات من النفور، وعدم الاطمئنان، تجاه بعض المبادرات الاجتماعية، بحيث تظهر في العزوف الجماعي، عن الانخراط في إنجاح تلك المبادرات، نظرا لوجود العديد من التساؤلات الحائرة، وعدم وجود الإجابات الشافية، وبالتالي فان اعتماد الشفافية والوضوح، يشكل الضمانة الحقيقية لزيادة الاستقطاب، فالبيئة الاجتماعية تتعامل بثقة مع الجهات التي تتسم بالشفافية ولكنها في ذات الوقت، تتخذ مبدأ الحيطة والحذر تجاه مختلف اشكال الغموض وغياب الشفافية.

الاستجابة للمبادرات الاجتماعية دلالة على وجود ثقافة إيجابية، وغياب الروح الانعزالية، وكذلك قدرة تلك المبادرات على الاقناع، فالعملية مرتبط بعوامل عديدة، وليست محصورة في جانب دون اخر، لاسيما وان الاثار المترتبة على تلك المبادرات الاجتماعية، ليست محصورة على فئة محددة، بقدر ما تسعى لخدمة مختلف اشكال الشرائح الاجتماعية، مما يستدعي وضع هذه الأمور في الاعتبار منذ البداية، من اجل تهيئة المناخ الملائم والحرص على تكريس هذه الثقافة، لدى كافة افراد المجتمع، خصوصا وان نشر ثقافة التعاون عنصر أساسي في استدامة المبادرات، والعمل على اطلاق العديد في المستقبل، انطلاقا من الروح الإيجابية السائدة لدى الجميع، تجاه مختلف الاعمال ذات الأثر الكبير على المسيرة التنموية.

الشراكة المجتمعية قادرة على بث الثقافة الإيجابية لدى كافة الأجيال، فهذه النوعية من الثقافة تعطي اثارا كبيرة، على المدى القريب والمتوسط والبعيد، خصوصا وان حياة المجتمع مرتبطة بنوعية المبادرات الاجتماعية، فالمبادرات ذات النزعة الفردية تعكس جانبا من الثقافة السائدة، لدى بعض الفئات الاجتماعية، فيما الأفكار ذات النزعة الاجتماعية تكشف القناعات المتوارثة، لدى تلك المجتمعات البشرية، وبالتالي فان النزعة الفردية ليست قادرة على بث الحياة في مفاصل الجسم الاجتماعي، فيما النظرة الجماعية تبث الحياة في الكثير من الفئات الاجتماعية، فهذه الثقافة تساعد في تدعيم التماسك الداخلي، من خلال مد يد العون للبعض الفئات الضعيفة، مما يعزز روح الانتماء لديها، والحرص على تقديم الخدمات الكثيرة، في سبيل تعزيز هذه الشراكة المجتمعية، نظرا لتلمس الاثار الإيجابية الناجمة عن دعم المبادرات الاجتماعية، وقدرتها على تحريك الروح الجماعية في اركان المجتمع.

كاتب صحفي