آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

داء الفساد

عبد الرزاق الكوي

قال الامام علي : «وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ»

الفساد ليس ظاهرة جديدة طرأت على المجتمعات الحديثة في الآونة الأخيرة، بل قديمة منذ خلق الانسان، لا يوجد مجتمع خالي من ظاهرة الفساد فهو منتشر على نطاق عالمي، تختلف حدته من بلد لآخر حسب الإرادة المتبعة وقوة القوانين وتفعيلها والعقوبات وصرامتها والسياسة الحكيمة في محاربة الفساد والحد من انتشاره ومنع توسعه والتقليل من خطره.

لخطر الفساد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر يوم عالمي لمكافحة الفساد، ويعرف بأنه استغلال السلطة أو النفوذ من اجل تحقيق مكاسب خاصة غير مشروعة للشخص ومن يرتبط بهم من أقارب أو غيرهم من له علاقة مصالح، فالفساد يعتبر أكبر عقبة بعد الارهاب أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العالم، حيث يذهب هدرا بتريليونات الدولارات من خلال الاختلاس والرشاوي والغش وواسطات مدفوعة الثمن سنويا في كافة بلدان العالم بات مشكلة عالمية تحتاج الى تكاتف جهود دولية ومحلية لمكافحة استغلال السلطة بأنواعها، بإنشاء هيئات دراسية وقانونية للحد من استفحاله وما يؤثر على البلد والمجتمع والأفراد.

أنعم الله على هذا البلد من الخير الوثير والاقتصاد المتنامي والموقع الاسلامي كل ذلك جعل حفنة من الفاسدين تطمع في هذه الخيرات بطرق غير مشروعك، تشهد المملكة انطلاقة قوية في محاربة الفساد والفاسدين في حرب حازمة وقوة لا يستهان بها بدأت تؤتي أكلها في القضاء على كثير من البؤر الإجرامية التي استشرى خطرها في دور خيانة عظمة في خاصرة الدولة أيدي خفية تلعب بمقدرات الدولة وقوت الشعب لا يتورعون عن استخدام كل مكرهم وخداعهم واستغلالهم للوصول لمأربهم الخبيثة، استطاعت الدولة اعادة مليارات الدولارات للخزينة في فترة تعتبر قصيرة تم فيها إنجازات عظيمة. فالفساد مكسب حرام وهو الخروج عن القوانين والأنظمة أو استغلال غيابها أو ضعفها أو في غض الطرف من أجل مصالح خاصة، وهو يعتبر انحراف اخلاقي وسوء استخدام المنصب لتحقيق مصلحة خاصة، مما يشكل ضررا في البنية التحتية في جميع مقومات الدولة، فالدولة حرصا منها تنفق المليارات من اجل انشاء بنية تحتية خدمية قوية تذهب ميزانيتها في جيوب الفاسدين، ليس فقط تهدد بنية البلد بل تهدد ارواح البشر.

الفساد لا يشمل قطاع معينا فقط، بل جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات التي ترتبط بالقطاعات الحكومية وتقدم خدمات البنية التحتية للمشاريع الكبيرة من بلديات وصحة وتعليم والخدمات الاخرى.

لا يوجد بلد يستطيع ان يجزم انه خاليا من الفساد، بل بتكاتف الجهود والإرادة القوية والاصرار على المتابعة، تقوى الدولة ويخف الفساد ويعم من جراء ذلك الخير للبلاد والعباد، فالإجرام والسكوت عن الفساد يفتت أسس المجتمع ويضعف سيادة القانون ويعدم الثقة بين أفراد المجتمع، وانتهاك لحقوق الانسان حيث تسلب حقوقه من مجموعة فاسدة لا تريد الخير بل تحاربه.

المتأثر من الفساد بشكل عام الدولة وبشكل خاص الطبقة الفقيرة التي مع هذا الوضع تزداد فقرا وعدم مقدرة في مواكبة الحياة ومتطلبات المعيشة وانهاء معاملاتهم، يجبرون على دفع رشاوي فوق طاقتهم في معاملات كفل قانون البلد القيام بها مجانا وكذلك يزيد مستوى البطالة وانخفاض الإنتاجية وتراجع الدخل وحالة من عدم الرضا من قبل الناس.

مع غياب الوازع الديني والرادع الأخلاقي والأمان من العقاب وعدم تفعيل القانون يستمر الفساد في نخر قوة البلد والتسبب في دمار اقتصادي وأخلاقي يصيب البلاد في مقتل، خنجر مسموم في خاصرة البلد وأفراد المجتمع في ظل النفاق بالولاء للبلد وحسن المواطنة.

والمفسدين يكثر خطرهم ويزيد فسادهم عندما تمر بلدانهم بأزمة مثل الحروب والأمراض والأوبئة والأزمات يستغلون حاجة المجتمع للخدمات ويستغلون هذا الظرف برفع الأسعار واستغلال أفراد المجتمع من اجل قضاء مستلزماته الضرورية يقف الفاسدين عائق في وجههم من اجل الدفع واستنزاف مقدراته البسيطة والضعيفة.

فالفاسدين الكبار يحتاجون الى طابور من الفاسدين الصغار كمصيدة وعامل مهم من اجل ان يقع الجميع تحت مظلتهم، واستمرار عملهم وان يعم الفساد جميع اركان الدولة والمجتمع يتولد عن ذلك واقع سيء من عدم الثقة وخلق مجتمع غير مبالي تسيطر عليه الفكر السلبي مما يفكك المجتمع بخلق واقع ان الفساد هو الحل.

ان ما يخلفه الفساد من تأثير على جودة المشاريع المهمة والمتعلقة بكل فرد في المجتمع، حيث يكثر الغش وعدم اتباع المواصفات الهندسية السليمة المفترض العمل بها بإقصاء الكفاءات والشرفاء والمخلصين لتبوء مقاليد المناصب الرجل المناسب في المكان المناسب، كما يؤثر الفساد على ثقة المستثمرين وهروبهم وابتعادهم عن البلد مما يشكل خطر على الاقتصاد.

من اجل اجتثاث الفساد او التقليل منه والحد من انتشاره لابد من مواكبة تطوره واستخدامه لوسائل شيطانية متطورة بتطوير القوانين وتشريع عقوبات مشددة تتطور مع تطور خطر الفساد، فمن آمن العقاب اساء الأدب، ان يعرف الفاسدين انه لا حصانة لهم مهما كبر موقعهم وكثرة مناصبهم وقوية شوكتهم، تبقى الدولة هي الأهم المصانة في خيراتها وان يعيش المجتمع متمتع بخيراته يعيش مستوى من العدالة والفرصة للعيش الكريم للجميع بالتساوي.

التلاعب بالأسعار والخش التجاري والتعامل حسب الانتماء المذهبي او القبلي بعنصرية يعتبر فساد وتشجيع على الفساد وان المجتمع توجد فيه طبقية يسيطر عليها الأقوى بالنفود.

فاليوم الجميع مطالب بالوقوف في وجه الفساد والمفسدين كلا حسب امكانياته وموقعه لا يستثنى احد من رجال دين وفكر ومكانه في المجتمع ووسائل إعلام في الوقوف صفا واحداً في وجه من يبغي الفساد وتدمير البلد وسرقة خيراته، فخطر المفسدين ليس اثره فقط على اقتصاد الدولة بل له تبعات انحرافات اخلاقية مدمرة تستخدم لتمرير مخططاتهم، فالفاسدين لا يتورعون عن القيام بأي عمل من اجل الوصول لهدفهم من هدية قيمة الى وليمة دسمة وصولا لأعراض الناس والإساءة لهم.

فالدول يقاس تقدمها وتحضرها ورقيها ومكانته الدولية بانخفاض مستوى الفساد وتفعيل القوانين وتنفيذها بشكل حازم بلا هوادة فيه ولا محسوبية، الضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الخيانة.

حفظ الله البلاد والعباد من الفساد والفاسدين وكف الله شرهم وكيدهم وينعم الجميع بحياة كريمة ورغد في العيش والتساوي الحقوق.