آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

الشكاية لغير الله مذلة!

المهندس هلال حسن الوحيد *

مع اقتناعنا في سريرتنا أن شكوانا للناس هي رسالة استنجاد من ضعيفٍ لضعفاءَ من مثله وسِنخه - أو أقل - إلا أننا لطالما جاشت واضطربت نفوسنا فأرسلنا همومنا وشكوانا لهم! فكم هي ثمينة نصيحة الشاعر إيليا أبو ماضي أن نقل من الشكوى، ونلبس لباسَ الحمد الكوني الذي أسبغه الله على الكائنات لنجد فيه متنفساً، حين يفقد البكاء والعويل قيمته ومعناه:

أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلاَ

إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ
تَتَوَقّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلاَ

لا تشتكي لغير الله طويلا، فقد قيل منذ القدم الشكوى لغير الله مذلة. والدراسات الاجتماعية تقرر أن الإنسانَ كلَّما أكثر من الشكوى لغيره، في كل مرة يشتكي ينقص التعاطف معه. في المرة الاولى يكون زخم التعاطف كبيرا ويختفي بعدها رويدًا رويدا، فلا من راحم أو مجيب. وكلنا سمعنا بقصة الطفل الكذاب الذي كان يرعى الغنم ويزعم أن ذئبًا يهاجم ماشيته، فهبَّ أهل القرية لنجدته مرات، لكنهم ما لبثوا أن تركوه حقا لقدره حين جاء الذئبُ وافتَرس الماشية.

هذا على عكس تعاطف الله مع البشر الذي يطلب منهم أن يسألوه، محتاجين أو أغنياء، أصحاء أم مرضى، بل يصر عليهم أن يكرروا الطلب ويلحون في المسألة، فإنه لن يمل من العطايا، وكلما كثر السؤال أسرع في الإجابة! فعلى خلاف سيرة الله في خلقه ووصاياه لهم، فإن دراسات اجتماعية تظهر أن التراحم والتعاطف بين الناس آخذ في الاضمحلال - على الأقل في دول الغرب - حيث الناس منشغلة بهمومها عن هموم الآخرين.

أنا مريض، أنا محتاج، أنا مهموم؛ سوف يسمعها الناس مرةً واثنتين ثم هي لا تعنيهم؛ لهذا لم يقل النبي يعقوب «ْع»: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ”النَّاس“، بل قال: ﴿إِنَّمَا? أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِى? إِلَى ?للَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ?للَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ، ولم يناد النبي أيوب الناسَ، بل نادى ربه ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .

وَإِذا ما أَظَلَّ رَأسَكَ هَمٌّ
قَصِّرِ البَحثَ فيهِ كَيلا يَطولاَ

أَدرَكَت كُنهَها طُيورُ الرَوابي
فَمِنَ العارِ أَن تَظَلَّ جَهولاَ

مستشار أعلى هندسة بترول