آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

التكتيك.. المبدأ

محمد أحمد التاروتي *

الخلط بين التكتيك والمبدأ يدخل البعض في متاهات مظلمة، بحيث يترجم على اشكال متعددة منها التخبط وعدم القدرة، على ابصار الطريق بالشكل المطلوب، الامر الذي يجعله يتأرجح تارة في اقصى اليسار، وتارة أخرى في اقصى اليمين، نظرا لافتقاره الى البوصلة القادرة على اكتشاف الجادة الصحيحة، لاسيما وان عملية التمسك بالطريق السليمة تتطلب وضوحا في الرؤية، وعدم الرضوخ للضغوط الخارجية او محاولة مسايرة الواقع.

التفريق بين التكتيك والخطوات المرحلية، والمرتكزات والثوابت عملية أساسية، خصوصا وان الخلط يضع المرء في موقف لا يحسد عليه، من خلال انتهاج خطوات خاطئة باعتبارها إجراءات تكتيكية تفرضها المعطيات الراهنة، بيد ان الممارسة العملية تكشف التنازل عن المبادئ، والدخول في خانة ”التراجع“، والكفر بشكل تدريجي للمبادئ الراسخة، وبالتالي فان وضع الأمور في مكانها السليم، يعطي المرء المساحة الكافية للتحرك بحرية، بعيدا عن الضغوط الخارجية، او التفاعل الخاطئ مع القراءات الخاطئة.

انتهاج السياسة التكتيكية تدخل في باب القراءة الصحيحة للواقع المعاش، كونها تتعامل مع التطورات الاجتماعية بنظرة متوازنة، ”المجاملة نصف العقل“، مما يفرض التحرك وفق التيارات السائدة مع الاحتفاظ بالمبادئ الثابتة، لاسيما وان هناك خيطا رفيعا فاصلا بين ”الكفر“ بالمرتكزات المبدئية والتمسك بها، الامر الذي يفرض امتلاك القدرة على التفريق بين الامرين، تفاديا للوقوع في الفخ، والابتعاد جزئيا او كليا عن كافة المبادئ السابقة.

الشعور بالضعف يلعب دورا كبيرا، في انتهاج سياسة ”التكتيك“ على حساب التمسك بالمبدأ، فهناك اطراف غير قادرة على ممارسة الضغوط الكبيرة، مما يجعل عملية الصمود وتفادي التداعيات على الصعيد الشخصية عملية صعبة، الامر الذي يفرض التنازل والرضوخ لتلك الضغوط، خصوصا وان الأطراف الخارجية تمتلك الأدوات اللازمة لتخريب الحياة الشخصية، وكذلك تشويه الصورة ”الملائكية“ في الوسط الاجتماعي، وبالتالي فان الضغوط الخارجية تتحرك في اتجاهات متعددة، لتطويق ”الممانعة“ الأولية، بهدف إزالة الرفض والدخول في لعبة ”التكتيك“ بشكل كامل.

المصيبة تكمن في محاولة اشراك الاخرين في ”خطيئة“ الكفر بالمبادئ، فالبعض يحاول قتل ”الضمير الحي“ بإدخال المحيط القريب، في جريمة ”التنازل عن المبادئ“، انطلاقا من قناعات بعضها تبريرية او البعض الاخر لتفادي ”ردة الفعل الاجتماعي“، مما يدفع باتجاه ترويج شعارات عديدة لاستقطاب اكبر شريح اجتماعية، ”حشر مع الناس عيد“، وأحيانا انتهاج سياسة القطيع ”الشاردة للذئب“، بمعنى اخر، فان البعض لا يكتفي بارتكاب جريمة ”التنازل عن المبادئ“، وانما يتحرك باتجاه تخريب البيئة الاجتماعية، من خلال تزيين الممارسات الجديدة، كونها تنسجم مع المستجدات، وتتعاطي بواقعية مع الاحداث الجارية، مما يفرض الاستجابة لايقاعات العصر بطريقة، بما يحقق المصلحة الشخصية أولا، والاجتماعية ثانيا.

القدرة على الخداع ومحاولة تكريس ”التكتيك“، في الممارسة العملية، وابعاد الضمير الاجتماعي، عن التفكير في التمسك بالمبادئ، عملية أساسية لاختراق اللا شعور الاجتماعي، خصوصا وان الوسط الاجتماعي يمتلك الكثير من الأدوات القادرة، على اكتشاف تلك الممارسات الخادعة، مما يفرض قطع الطريق على المحيط الاجتماعي لعرقلة إعادة الأمور الى النصاب السليم، نظرا لخطورة تلك التحركات على المصالح الشخصية، وكذلك على النفوذ الاجتماعي، لاسيما وان اكتشاف الخداع يمثل سقوطا مدويا على الصعيد الشخصي، وتقليصا كبيرا على الاطار الاجتماعي، مما يحدث صدمة كبرى على المدى القريب والمتوسط.

خطورة استبدال التكتيك والتنازل عن المبادئ، تكمن في صعوبة العودة للوراء، جراء خروج الأمور عن السيطرة، فالخطوة الأولى بمثابة السقوط في الهاوية، مما يدفع البعض لمحاولة التمنع في البداية، نظرا لمعرفة الاثار المستقبلية، على خطوات غير مدروسة بشكل جيد، ﴿لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ.

كاتب صحفي