آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الدور السلبي

محمد أحمد التاروتي *

الدور السلبي تارة يصدر عن فريق متمرس في لعب أدوار شيطانية وتخريبية في البيئة الاجتماعية، بهدف ايقاف عجلة الزمن وإبقاء الأوضاع الاجتماعية وفقا لمصالحة الذاتية، وتارة أخرى يصدر عن فريق اجتماعي يتبرع طواعية لممارسة أدوارا معاكسة للمصلحة العامة، من خلال انتهاج سياسة ”التشكيك“، والوقوف امام مختلف المبادرات الإيجابية، انطلاقا من قناعات ومخاوف ”وهمية“، وأحيانا كنوع من اثبات الذات ”خالف تعرف“، الامر الذي يدفع هذه الأصناف لاتخاذ المواقف المضادة للاصوات الناصحة، والساعية لادخال البيئة الاجتماعية في طريق ”الرشاد“، مما يضع الشرائح الاجتماعية في مواجهة مباشرة في وجه بعضها البعض، نظرا لوجود استجابة سريعة لاصوات الفريق السلبي.

انفتاح الساحة الاجتماعية، وفتح المجال واسعا امام حرية التعبير، وكذلك التجاذبات الكبيرة، عناصر أساسية في بروز الفرق السلبية، لاسيما وان المجتمعات المغلقة تقطع الطريق امام دخول أصوات ”شاذة“، كما ان غياب الأطر القانونية لحرية التعبير، تحول دون خروج الأصوات المعارضة، للتيار الاجتماعي السائدة، خصوصا وان الفرق السلبية تحاول الاستفادة من تلك المساحات المتاحة، لايصال صوتها ”التخريبي“ في الوسط الاجتماعي، حيث تحاول استغلال بعض التجاذبات، والتموجات الفكرية للانتصار، لاحد التيارات في البداية، بغرض إيجاد موطئ قدم، وتشكيل نواة في البيئة الاجتماعية، فيما تتخذ تلك الأصناف موقفا اكثر تشددا، مع امتلاك الأدوات اللازمة لإظهار الموقف المعارض.

الدور السلبي يمارس في مختلف المجالات الحياتية، فهو لا يتخذ اطارا معينا، او شكلا موحدا، نظرا لاختلاف وتوزع الأغراض لاصحاب هذا التيار، مما يجعل تشكيل كيان موحد غاية في الصعوبة أحيانا، وسهلا وسريعا في أحيان أخرى، بيد ان تعارض المصالح يدفع لانتهاج سياسات متعددة، وفقا للتحولات الاجتماعية، والتطورات المتلاحقة، وبالتالي فان الدور السلبي يتخذ اطارا موحدا ظاهريا، ولكنه لا يجد قواعد راسخة على الأرض، الامر الذي يفسر انفراط عقد بعض الكيانات السلبية بشكل سريع، نظرا لوجود تدافع داخلي في الكيان العام لهذه الفرق، مما يسهم في تغليب المصالح الخاصة على التحركات الجماعية.

الاستجابة الكبيرة للبيئة الاجتماعية للفريق السلبي، احد العناصر الأساسية المشجعة، على الاستمرار في أداء الدور التخريبي، فممارسة الدور السلبي تخضع لاختبارات عديدة للتعرف المزاج الاجتماعي، بهدف الوقوف على التفاعل الشعبي مع تلك الأصوات التخريبية، فاذا وجدت بيئة خصبة وسريعة، فانها سرعان ما تتحول الى ظاهرة اجتماعية ”قاتلة“، خصوصا وان الدور السلبي يقف بقوة امام جميع المبادرات الإيجابية، الامر الذي يسهم في عرقلة المسيرة التنموية، ويعطل التفكير الجمعي تجاه القضايا الكبرى.

المخاوف من فقدان النفوذ الاجتماعي، يشكل احد الأسباب وراء ممارسة الدور السلبي، فهناك شريحة اجتماعية ليست قادرة على استيعاب حقيقة ”دولاب الزمن“، مما يفقدها التوازن العقلي بمجرد ظهور اطراف منافسة، وتحاول اخراج البيئة الاجتماعية، من تحت عباءة أصحاب النفوذ الاجتماعي، وعناصر ”الحرس القديم، وبالتالي فان وجود مشاريع اكثر قدرة على استقطاب البيئة الاجتماعية، يحرك الجانب“ الشيطاني ”لدى بعض العناصر الاجتماعية، مما يدفعها لانتهاج مبدأ“ التعاون على الشر ”، بهدف الوقوف بقوة امام تلك المشاريع الجديدة، نظرا لما تمثله من خطر وجودي، الامر الذي يطلق مشروع الدور السلبي، عبر استقطاب كافة العناصر الراغبة في الاحتفاظ، بالمكاسب الاجتماعية المتوارثة بالعقلية“ السلطوية ".

خطورة الدور السلبي تكمن في الشعارات التي يتوارى خلفها، فالفرق التخريبية تحاول اظهار الجانب ”المشرق،“ واخفاء الجانب ”المظلم“، من اجل خداع السواد الأعظم، والسيطرة على العقل الجمعي، خصوصا وان فقدان السيطرة عن البيئة الاجتماعية، يمهد الطريق لخسارة المعركة الوجودية، الامر الذي يدفع لانتهاج مختلف الأساليب، واعتماد المنهجيات المتعددة في سبيل احداث اختراقات كبرى، في الثقافة الاجتماعية السائدة، وتحريك العقل الجمعي باتجاه الصدام المباشر، مع أصحاب مشاريع التنوير الاجتماعي، ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ «*» إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ .

كاتب صحفي