آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

أفاعي العشب!

المهندس هلال حسن الوحيد *

يقول المثل الإنجليزي: إن العشبَ يبدو دائمًا للناظر أكثرَ خضرةً في الناحيةِ الأخرى من السياج. مثلٌ يختصر خطايا بني آدم في استرخاصِ ما يملكون وتعظيم قيمة ما لا يملكون. فكم في الجانبِ الآخر من السياج من حياَّتٍ مختبئة، تنتظر وتتربص بالقادمِ كلَّ الشرّ؟ وما في يدِ المالك وتحت نظرهِ هو الأثمن والأغلى. لا ضير أن يعجبنا الجمال ونتمناه، لكن حذارِ أن نفتتن بالظاهر والقشر الخارجيّ والسَّطحيّ دون أن نعرف ما تحتَ الأرض من ألغام.

لمَ لم يكن لي؟ وليته كانَ كذا، كلها أماني وبعضها أماني مريضة صادرة من الأنانيةِ والجهل وضعف الثقة بالله وعدم الثقة بالنفس حيث هو - سبحانه - الذي يقسم ويفضل البعضَ على البعضِ الآخر. وليت الأماني تقف هنا، دون أن تجرجر صاحبها في مضائقِ المعاصي والسجون، والصداقات والعلاقات المرّة.  

أظن أن أخطرَ ما في نظرية أن العشب الأخضر يوجد في الجانبِ الآخر من السياج هو في العلاقات الإنسانية والزوجية، حين يعتقد الرجل أو المرأة - شيبًا وشبانا - أن ما تحت يده وبصره لم يعد يصلح للسيرِ معًا، وأن شخصًا آخر يسكن في الجانبِ الآخر من خطّ الهاتف أو زجاجة الحاسب الآلي هو فعلًا من يدغدغ المشاعرَ والأحاسيس، وعندمَا يطأ الخائنُ الأرضَ البعيدة يجدها جرداء، لا زرعَ فيها ولا نبات! 

أما ذلك الفعل الحقيقي الذي ينقل صاحبه، السِّاعِي بِرَغْبَةٍ وجدّ لِلْحُصُولِ على مَا هُوَ أَعْلَى وَمَحْمُود وَنَبِيل، إلى الضفة الأكثر اخضرارًا ونفعًا، فمرحى به وهو الطموح المشروع والممدوح. ولا بدّ لكلِّ إنسان من أن يكون طموحًا ينظر إلى الضفة الأخرى ولا يقبل بالجمود، لأن من يقبل الجمودَ والبقاء على ما عنده، فسوف لن ينفع نفسه ولن ينتفعَ الناسُ منه بشي.

ويبقى أجمل طموح أن تكون آخرة ابن آدم - وهي الحقيقة المطلقة - التي بينه وبينها سياجٌ رفيعٌ من الموتِ أن تكون - فعلًا - أبهجَ وأجمل وأكثر خضرة من دنياه. ولكي يكون هذا واقعًا، لا تمني، يجب أن يكون تفكيره في: كيف يكون عملي أفضل من عمله؟ وكيف تكون صلاتي أخشع من صلاته؟ وصَدقاتي وعَطاياي أجزل من صدقاته، وهكذا دواليكَ من أفعالِ السُمُوّ والرفعة.

مستشار أعلى هندسة بترول