آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

ماذا تتوقعون في 2021

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

على طاولة حوار الزمن اجتمع الشباب وكبار السن، حينها طرح السؤال: ها هو عام 2020 انسدل ستاره ورفعت ستائر العام 2021 ماذا ستتوقعون في العام الجديد هل سيكون أفضل أم أسوأ؟ كانوا جميعهم تقريبا متفائلين وإيجابيين للعام الجديد حتى أن بعضهم صار يدعو الله ألا يعيد تلك الأيام التعيسة، ثم استمر الحوار والحديث يجر الحديث ما هو الأفضل زمن الشباب أم زمن الكهولة؟ يقول الشباب أعمارنا أفضل من الكهولة بكثير، فما نستطيع فعله نحن أبناء العشرين أو الثلاثين أو حتى الأربعين والخمسين لا يستطيع ابن الستين أو الثمانين القيام به.

كما أن الحياة، ونحن في عنفوان الشباب، مقبلون بقوة على جمال الحياة، نريد أن نرتشف متعها وملذاتها أما حياة الكهولة فهي مملة وقاسية «ويا لله حسن الخاتمة». كبار السن يردون: من قال لكم إن حياتنا مملة ورديئة؟ ففي الكبر متع ومباهج لا تعد ولا تحصى، فمتعة قراءة رواية رائعة في العشرين من العمر لا تقاس بالمتعة ذاتها ونحن نقرأها بعمر السبعين، فتراكم الخبرات والتجارب يضفي على الرواية ذاتها طعما لا يتذوقه إلا أبناء الستين والسبعين.

كما أن متعة الاستماع إلى معزوفة كلاسيكية في العشرين من العمر، ليست كتلك المتعة ونحن في منتصف السبعينات، أو حتى الثمانينات من العمر. كما أن متعة التعايش مع الآخر المختلف لا تختمر إلا في الكبر، كما أن العلاقات الأسرية في الكبر ذات معنى عميق، وهي مشاعر رائعة لا يعرفها صغار السن، الأكثر انشغالا بتكوين أسرهم وتربية أبنائهم.

أما أنا فلم أكن مجتمعا معهم في ذات الطاولة ولو أنني سئلت سؤال العمر لأجبت بلا تردد: ما بين تاريخ ميلادك المكتوب في شهادة الميلاد، وبين كم عشت حقا في هذه الدنيا فارق كبير، فالعمر الحقيقي ليس في العشرين أو التسعين إنه العمر الذي نشعر به، ونعيشه، ونعيش معه وما أسخف أولئك الذين يصرون على التعامل معك وفقا لهذه الشهادة، يخرجونها بوجهك كل دقيقة، يريدون أن يضيفوا إلى قيودهم قيدا جديدا، اسمه العمر، ويسطرون أمامك مقولاتهم الخالدة «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة» و«لا تأخذ زمانك وزمان غيرك» و«كبرنا على هالسوالف» و«بعد ما شاب ودوه الكتاب» وللمرأة «لا تلبسي هذا اللون لأنه غير لائق لعمرك»! ويستمر سيناريو الأحكام وفقا لشهادة الميلاد الأصلية.

الكل مشغول بهذه الشهادة وكأن العمر المدون فيه إنجاز بحد ذاته لا أحد هنا يهتم بما تفعل، وبما تحب، وبما أنجزت، بل بعمرك فقط فهل سمعنا يوما أحدا يقول «من قرأ أكثر منك بصفحة أعلم منك بسنة»، أو «من عمل أكثر منك فهو أفضل منك بقرن».

منطق الزمن والعمر يجعلنا متناقضين فإن ماتت امرأة في الخمسين قيل «ماتت في عز شبابها» وإن عشقت في الخمسين، قيل «بعد كل هذا العمر وتحب». أما عن توقعي عن العام الجديد؟ أقول لست مشغولا بوضع سيناريوهات أو توقعات لما يمكن أن يحدث في المستقبل فهو غير موجود الآن والماضي غير موجود الآن، إنه الذهن الذي يلون الزمن الماضي والمستقبل، وكأني لا أطيق لحظتي الحالية فأسقط التفكير الماضوي والمستقبلي عليه.

لا أحد يسألني عن لحظتي الراهنة لأنها فوق الزمن، هذه اللحظة الحاضرة التي يعيش الإنسان فيها كينونته ويشرق القلب فيها بالسلام الحقيقي متجاوزا كل ما يحدث على السطح.

أخيرا أقول: من يعرف الحياة الحقيقية سيدرك أن اللحظة الراهنة هي كل ما نملك وأن العمر لا يعطي الإنسان قيمة، أنت فقط من تعطي لعمرك القيمة.