آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:46 م

صحف النور

علاء محمد المسلم

ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان أن خلقه في أحسن تقويم، كما وهبه فطرة سليمة ليطور من مجتمعاته، ويتقدم بها نحو أفضل حضاراته. يبدأ الإنسان تعليمه وليداً بحواسه، ليشبع شغف الفضول والإطلاع، ثم يرتقي بتجاربه ومشاركة خبراته، مع محيطه وعلاقاته.

ومن بين ما حرص عليه الإنسان في تطور الحياة وبناء الحضارة، هو تبادل الأخبار ونشر الوقائع من خلال تداول الصحف، فيبني بذلك وعيه ويحدد اختياراته، ليتخذ بعدها قراراته الأهم. يقول الله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا «16» وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى «17» إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى «18» صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى «19» سورة الأعلى. ففي الآيات الكريمة بيان، يقصر معه المقام، بأن الله سبحانه وتعالى أنزل الصحف على رسله - -، لهداية الإنسان في وعيه وإيمانه، لكي لايؤثر الحياة الدنيا على الآخرة في اختياراته وأعماله، لأنها خير وأبقى، مع فارق المنزلة بين صحف البشر والصحف الإلهية، في واجب قراءتها وتداولها، والامتثال بأوامرها وطرق هدايتها.

وقد بدأ الإنسان دؤوباً في آخر خمسة قرون، لطباعة الصحف وتداول الأخبار، فاهتم بمهنتها فلقبت بصاحبة الجلالة، وقدر مكانتها فأطلق عليها السلطة الرابعة، بما تملكه من قوة مؤثرة. وبالرغم من التبجيل الذي قُدمت به الصحافة، إلا أنها لقبت في بعض وجوهها بالصحافة الصفراء، لتكون سمة الصحف التي تحمل مع أخبارها الإثارة وفقر المصداقية، ليطغى في تحريرها الزخرف واللون على القيمة والمضمون، مستغلة بذلك المساحة المتاحة لها في الانتشار، وسهولة التواصل بين المتابعين والقراء.

ومازالت الصحافة وأدوات التحرير تتطور، حتى بلغت مانحن عليه حالياً، فأصبح تواصلها بين الإنسان ونظيره لحظياً، لتنتقل الخواطر آنية، فيسبق الخبرُ تحريره. نتذكر في بعض أنشطة التعليم المدرسي، عمل صحيفة الفصل، والتي تتضمن في بعض أعمدتها، فقرات إرشاد وتوعية، وأدب اللغة، والعلوم الطبيعية، وأخرى متنوعة، ليتم مراجعة تحريرها من قبل المعلم المشرف، قبل وضعها في مكان مناسب، لإتاحة قراءتها من قبل جميع رواد المدرسة، فتعم بمطالعتها الفائدة.

لقد تطورت الصحافة حتى أصبحت صحافة الفرد الواحد، فهو من يحرر محتواها كيفما شاء، ويملأ منها نشراً أينما شاء، أو يختارها خالية حيث شاء، وفي كل الأحوال فإنه مسئول فيما شاء.

إن الصحافة ليست مهنة مختارة، بل هي تكليف رباني، فعلى الإنسان تحرير صحف أعماله بنفسه، وإن عليه كراماً كاتبين. يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ «10» سورة التكوير. فالصحف متاحة لأن تكون صحف النور.