آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

النفس الأخير

محمد أحمد التاروتي *

يستخدم البعض سياسة ”النفس الأخير“، لاحداث تغييرات حقيقية في مجريات الصراع، وتكريس الحضور في الساحة الاجتماعية، فالصمود حتى اللحظة الأخيرة يسهم في تحقيق الانتصارات، والخروج من حلبة الصراع مرفوع الرأس، لاسيما وان القدرة على تحمل الالام والتبعات، تتطلب إرادة قوية وقدرة غير طبيعية، نظرا لمحدودة التحمل في الطبيعية البشرية، وبالتالي فان الاستعانة بالقوة الاستثنائية تشكل مجازفة كبرى، خصوصا وان احتمالية الفوز ليست واردة جراء وجود إرادة مماثلة لدى الطرف المقابل، الامر الذي يضع المصير على ”كف عفريت“، تبعا لوجود إرادة مضادة تحاول استخدام ذات السلاح، لتفويت الفرصة على الخصم في كسب نقاط الفوز.

القدرة على قراءة الخصم عملية أساسية لتحديد مسار الصراع، سواء في المرحلة الراهنة او المراحل القادمة، لاسيما وان الغموض والفشل في قراءة الخطوات القادمة للخصم، تحدث مفاجآت ليست في الحسبان، مما يمهد الطريق امام المزيد من الخسائر، والعديد من الانتكاسات على الصعيد الشخصي والاجتماعي في الوقت نفسه، الامر الذي ينعكس في حسم الصراع منذ الجولات الأولى، نظرا للفشل في مجاراة الخصم، وانعدام القدرة على الخطوات الاستباقية، المتخذة من الطرف المقابل، مما يحدث حالة من الذهول والارباك أولا، والاستسلام والخروج من الساحة ثانيا، وبالتالي فان محاولة انتهاج سياسة ”النفس الأخير“ تشكل احدى الأدوات الأساسية، لمقاومة الاستسلام والخضوع للامر الواقع.

التكافؤ في الصراع، وعدم القدرة على الحسم، منذ الجولات الأولى، تدفع لانتهاج سياسة ”عض الأصابع“، فكل طرف يحاول الحاق الأذى بالطرف المقابل، من خلال استخدام مختلف اشكال الوسائل، والعمل على احداث الضرر الجسدي والنفسي، لادخال حالة من اليأس وقهر إرادة الصمود، بحيث يتجلى في استخدام ”الضرب تحت الحزام“، واكتشاف الوسائل القادرة على تحقيق الانتصار في نهاية المطاف، خصوصا وان انتهاج الوسائل المشروعة ليست قادرة على وضع نهاية للصراع القائم، الامر الذي سهم في استنزاف الموارد المالية، واهدار الطاقات المعنوية، وبالتالي فان البحث عن الحلول غير المشروعة، تمثل الملاذ الأخير للفوز بالساحة الاجتماعية، فالعملية مرتبطة بالقدرة على البقاء والسيطرة على الساحة الاجتماعية، مما يفرض استخدام بعض الأدوات غير المشروعة، والعمل على استخدام سياسة ”الورقة التي تربح بها العب بها“.

إدارة دفة الصراع بطريقة احترافية، يسهم في احداث الفرق الكبير بالاستحواذ بالساحة الاجتماعية، فارادة الصمود حتى النفس الأخير، بحاجة الى قدرة على تفادي ”الضربات“ الموجعة، من الطرف المقابل، وبالتالي فان الوقوف وعدم الحراك لتلقي الصفعات من الخصم، لا يكفي في تحقيق الانتصار، فالعملية تتطلب قدرة فائقة في إدارة الصراع بالطريقة المناسبة، بهدف استنزاف الطرف الاخر، وادخال اليأس في نفسه أولا، والعمل على اختراق الساحة الاجتماعية بطريقة ذكية، خصوصا وان الصراع للفوز بالساحة الاجتماعية، ليس محصورا في حلبة الصراع مع الخصم، فهناك الكثير من الأدوات المتاحة لتكريس الحضور في البيئة الاجتماعية، مما يتطلب وضع استراتيجية واضحة بالتزامن مع إرادة الصمود، في وجه الخصم حتى النفس الأخير، فهذه الاستراتيجية تضع في الاعتبار التخطيط، لمرحلة ما بعد الانتهاء من الصراع مع الخصم، بهدف احداث تحولات جذرية، وتحقيق الكثير من الإنجازات لزيادة القاعدة الشعبية، وكذلك لوضع المجتمع في الصورة الجديدة للمرحلة القادمة.

سياسة ”النفس الأخير“ أداة ضمن الأدوات الكبيرة المستخدمة في الصراع، لكنها تترك تبعات على أصحابها بمجرد إساءة استخدامها، وعدم اختيار التوقيت المناسب، فالعملية مرتبطة بتحديد الوقت لاظهار السلاح ”القوي“ في وجه الخصم، خصوصا وان القدرة على الصمود تمثل العصا السحرية في كسب الجولة النهائية، وبالتالي فان إدارة الصراع تتطلب اتباع الوسائل الاعتيادية في الجولات الأولية، للتعرف على مدى قوة الطرف المقابل، بيد ان سياسة ”النفس الأخيرة“ ستفرض نفسها في نهاية المطاف، بمجرد فشل تحقيق الانتصار ضمن الأدوات الاعتيادية، في مختلف مراحل الصراع، للاستحواذ على الساحة الاجتماعية.

كاتب صحفي