آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

قتال الجبهات

محمد أحمد التاروتي *

الاستنفار الأقصى في مختلف الدوائر الرسمية بدول العالم، يعطي إشارات واضحة بعظم خطر تفشي وباء كورونا في مفاصل المجتمع، فالسماح للفيروس بالانتشار يمثل خطورة على المدى البعيد، خصوصا وان الجائحة قادرة على اختراق جميع الإجراءات الاحترازية المتخذة، نظرا لكون الحرب تدور مع عدو غير ملموس، مما يجعل عملية الانتصار على الخصم صعبة للغابة، الامر الذي يدفع لممارسة اقصى أنواع الحذر في التعامل، وانتهاج سبيل المقاومة الشاملة، وعدم الاقتصار على وسائل محددة، وترك جوانب أخرى.

الحكومات تحاول استخدام الإجراءات الوقائية، للتعامل مع العدو ”الخفي“، من خلال التركيز على الوسائل الاحترازية، والتحرك السريع لمنع تفشي الفيروس بشكل كبير، لاسيما وان سقوط الاعداد بشكل يومي في فخ الفيروس، يستدعي مضاعفة الجهودً والعمل على تحريك الثقافة المسؤولة في النفوس، وتحفيز المبادرة الذاتية، والتخلي عن الثقافة الاتكالية، خصوصا وان المعركة القائمة حاليا ليست متكافئة على الاطلاق، مما يفرض التحرك الجماعي، وعدم الجنوح الى مبدأ ”فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ“، باعتباره مبدأ تدميريا، وغير قادر على معالجة الوضع الاستثنائي، على الاطلاق.

تمارس الدوائر الرسمية دورا فاعلا، في وضع الجميع في الصورة الكاملة، من خلال استحداث البرامج التوعوية، وبث الثقافة الصحية، لاسيما وان خطورة الفيروس القاتل ليست خافية، فالجميع يتلمس سقوط الضحايا، وبالتالي فان القتال يمثل الخيار الأنسب لمواجهة العدو ”الخفي“، لاسيما وان البعض ما يزال يتعامل باستهتار مع الخطر الكبير، الذي يهدد الكيان الاجتماعي، بمعنى اخر، فان التراخي يترك تداعيات سلبية على البيئة الاجتماعية في المدى البعيد، خصوصا وان الفيروس يمتلك القدرة على هزيمة الكثير من الإجراءات الاحترازية، مما يفرض البحث عن البدائل المناسبة باستمرار، للقضاء على التكتيكات التي يستخدمها الفيروس، للهروب من الهزيمة النهائية.

الاغلاق الشامل يمثل احدى الإجراءات الصعبة، لدى الحكومات العالمية، فهي تدرك جيدا الاثار الكبيرة لفرض الحظر الشامل، بيد انها لا تمتلك هامشا واسعا من المناورة، نظرا لتزايد اعداد الإصابات، وارتفاع الضحايا بشكل يومي، مما يدفع باتجاه ركوب ”الصعاب“، وابتلاع الموسي ”اخر الدواء الكي“، خصوصا وان الاغلاق الشامل يدخل الدورة الاقتصادية، في مرحلة ”الخمول“ والركود، الامر الذي يؤثر على النمو الاقتصادي، وبالتالي خروج العديد من المؤسسات من السوق، وتسريح العمالة، جراء عدم القدرة على توفير السيولة اللازمة.

القتال على الجبهات المختلفة، ضرورة تفرضها طبيعة الصراع، مع الفيروس القاتل، فالعملية لا تقتصر على جبهة دون أخرى، نظرا لتكامل الأدوار في المعركة المصيرية، التي تقودها الدول في الحرب مع ”الفيروس الخفي“، فالدوائر الحكومية تعمل جاهدة لابتكار الاليات والوسائل، لتجاوز المرحلة الصعبة، من خلال الكثير من القرارات والمزيد من الإجراءات، الامر الذي يفسر سرعة اتخاذ القرارات، ومحاولة تطويق الفيروس بشتى الوسائل، لاسيما وان الصراع يستدعي السرعة في الإجراءات، والعمل على تفعيلها دون تراخي، فالتأخر يعطي الفيروس القاتل مساحة للتحرك بحرية، مما يضاعف من الأعباء، ويزيد من المعاناة، التي تكابدها المجتمعات البشرية، فتحركات الفيروس السريعة في كافة الاتجاهات، وسهولة الانتقال بين الدول، لا تدع مجالا للدول لاخذ استراحة في معركتها الحالية، وبالتالي فان القتال على الجبهات يمثل الخيار الاسلم في الوقت الراهن.

المعركة المفتوحة مع فيروس كورونا، تمثل عبئا كبيرا على الحكومات العالمية، فالمعركة ليست قابلة لانصاف الحلول، او ابرام اتفاقية ”سلم“ بين الطرفين، نظرا لكونها ذات علاقة بمستقبل البشرية، والصحة العامة، مما يستدعي استمرار الصراع من اجل تحقيق الانتصار، وهزيمة الفيروس بشكل نهائي، وبالتالي فان القتال حتى النفس الأخير عملية محسومة سلفا، لذا فان الحكومات تحاول اختصار الزمن، وانهاء المعركة عبر الإجراءات المختلفة، ولعل ابرزها تسريع عمليات التلقيح بواسطة الامصال المعروفة حاليا، بهدف توفير الحصانة اللازمة لدى المواطنين، لمواجهة خطر الموت، وتحقيق الانتصار على العدو ”الخفي“.

كاتب صحفي