آخر تحديث: 22 / 4 / 2024م - 11:57 م

الامام علي.. المشاركة الشعبية

محمد أحمد التاروتي *

تمثل قصة سودة بنت عمارة الهمْدانية التي اعطاها الامام علي خطاب ”العزل“ للوالي بعد شكوى الظلم والجور الذي يمارسه تجاه قومها، والذي جاء فيه ”فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك. والسلام»، فهذه القصة التي ينقلها التاريخ مثالا واضحا على تجسيد المشاركة الشعبية في الرقابة على المسؤولين بمختلف المستويات، فالقصة تحمل الكثير من الدلالات الاليات المتبعة في تحقيق العدالة، ومحاربة الفساد لدى المسؤول، من خلال التواصل المباشر مع اصحاب القرار، والعمل على تحمل المسؤولية في اصلاح الاعوجاج، والابتعاد عن“ اللامبالاة ”، خصوصا وان المشاركة المجتمعية في صناعة القرار يسهم في الارتقاء بعملية صنع القرار من جانب، وتفعيل المراقبة الاجتماعية لمختلف مفاصل صناعة القرار من جانب اخر، فالعملية تتجاوز“ الشكوى " من جور الوالي، وعدم انتهاج الانصاف في الرعية، فهي تدخل في صميم الدور المؤسسي للدولة.

استجابة الامام علي السريعة على الشكوى، ربما يدخل في باب ”التعريف بالمسؤولية الاجتماعية“ تجاه المسؤول، فالعملية تبادلية وليست مقصرة على الدور الاحادي، من خلال انتهاج مبادئ راسخة في تبادل الأدوار، في مختلف الاصعدة الاجتماعية، وبالتالي فان الالتزام بالمسؤولية الكاملة تجاه الرعية، يشكل العمود الفقري في العلاقة بين ”الراعي - الرعية“، فالاخلال بتلك الادوار الاساسية تتطلب التدخل ”السريع“، لتفادي الانزلاق في المجهول، والدخول في مرحلة القطيعة بين ”الراعي - الرعية“، بمعنى اخر، فان الحقوق المتبادلة تفرض قواعد واضحة وصارمة، من خلال التعامل وفقا للسياسة المرسومة، في التعاطي مع الشأن العام، مما يستدعي ايجاد مبدأ ”الرقابة الشعبية“ على جميع التصرفات، والقرارات ذات العلاقة بالشأن الاجتماعي، فضلا عن الشؤون الاقتصادية والسياسية.

تأصيل مبدأ المشاركة الشعبية في نهج الامام علي ، ينطلق من الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع، في تصحيح المسارات ”الخاطئة“ لدى الوالي او المسؤول، خصوصا وان التجاهل وانتهاج سياسة ”التغافل“، تترك اثارا سلبية على الصعيد الاجتماعي، خصوصا وان السكوت يغري على الاستمرار في ”الظلم“، والخروج عن المسار السليم، ”الساكت عن الظلم شيطان اخرس“، وبالتالي فان قصة تلك المرأة تكشف المبادئ التي رسختها، سياسة الامام علي في المجتمع الاسلامي، خصوصا وان المبادرة الشخصية لتلك المرأة تكشف مدى الاستجابة السريعة من جانب اخر، وكذلك وجود قناعات راسخة بالقدرة على التغيير من جانب اخر، نظرا للاسس الذي ارساها الامام علي في الكيان الاسلامي، مما يشجع على المشاركة الفاعلة، والابتعاد عن الدور السلبي، تجاه الاخطاء على اختلافها.

سهولة التغيير وايجاد البدائل المناسبة، عناصر اساسية في احداث التغييرات الجوهرية في المجتمع، فاحساس المسؤول بالمراقبة الشعبية يشكل رادعا للدخول في المناطق المحظورة، والمنعطفات الخطرة، خصوصا وان سهولة التواصل مع اعلي الهرم في السلطة، يجعل العلاقة بين ”الراعي - الرعية“ اكثر استقامة، وقدرة على الديمومة، فالمسؤول يتحاشى التصادم مع البيئة الاجتماعية، ويتجنب اصدار القرارات ”المجحفة“، نظرا لامكانية التعرض للمساءلة القانونية من لدن الجهات العليا، وبالتالي فان العلاقة ستكون اكثر استقرارا، واكثر قدرة على الصمود، جراء التناغم الحاصل بين المسؤول والقاعدة الشعبية.

سياسة الابواب المشرعة، والابتعاد عن القطيعة مع القواعد الشعبية، عناصر اساسية في تحفيز البيئة الاجتماعية، على التواصل الدائم لاصلاح الكثير من الاخطاء، خصوصا وان ”العيش في البروج العالية“ يعرقل عملية المشاركة الشعبية، فالحاشية لدى الراعي تحاول حجب الرؤية، وتعرقل جميع المحاولات لايصال الاصوات الشعبية، الامر الذي يزيد من المعاناة الشعبية، ويضع الكثير من الحواجز المادية والمعنوية، وبالتالي فان الابواب المشرعة تمثل اقصر الطرق لتحفيز الرقابة الاجتماعية، لاسيما وان المجتمع الذي يجد الاستجابة السريعة، يعمل على التواصل الدائم، فالكثير من الاخطاء تحتاج الى اصوات صادقة لتصحيحها، من خلال سهولة الوصول الى اصحاب القرار، ونقل المعاناة دون وسائط.

كاتب صحفي