آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

الثّلاثة الذين لا يجتمعون - سلسلة خواطر متقاعد

سألتُ قبل يومين صديقًا لي عن ابنه الشابّ فقال: إنه بالكاد يخرج من المنزل ليبحث عن عمل، البابُ مغلق وليس إلا السجائر والقهوة والشاي! أليس هذا إجرام وحسرة في حقّ أنفسنا أن نعيشَ التّعاسة في مرحلةِ الشّباب ولا نعتاد العيش والاستمتاع بهذه الفترة القيِّمة من أعمارنا؟ كيف إذًا حين نصل الثمانينَ من العمر؟

ثلاثة لا يجتمعون معًا؛ المال والوقت والقدرة. فعندما نكون في العشرينات من العمر لدينا القوّة والوقت، لكننا فقراء. وفي الأربعينات تكتمل القوّة والمال، لكن لا وقت لدينا. وفي الستّينات يأتي المال ولدينا الوقت وتذهب القدرة. أعتقد أن هذا حال أغلبنا - البشر - إن لم يكن كلنا!

أمدَّ الله الجميعَ بالعافية وطول العمر. إنها الحياة رحلةٌ قصيرة مثل ظلِّ الطائر، تمر سريعًا، فلم الانتظار في الاستمتاع بالموجود في انتظارِ القادم الاجمل؟ تخيّل نفسك في رحلة في سيّارة الى مدينة والطّريق طويل، فإما أن تستمتع بالمناظر وأنتَ في الطريق، أو تشيح بوجهك عنها وتقول: عندما أصل لنقطة الهدف سوف أرتاح، وسوف أفعل كذا وكذا!

من يضمن الوصول؟ الحياة فيها مشاهد جميلة استمتع بها وأنتَ تسير. استمتع بالأولاد صغارًا وصاحبهم كبارًا، دلّل نفسكَ بالمالِ الحلال، لا تنتظر. افعل الخير إن رغبت، الآن وليس غدًا. سافر في رحلاتٍ قصيرة إلى أماكنَ قريبة ممتعة، إن كان هذا هو المقسوم!

كثير ممن لا يزال في قائمةِ الموظّفين كلما تسأله عن تلكَ الرّغبة أو المشروع الذي لا يتعارض مع الوظيفة تسمع منه: إن شاءَ الله أبدأ بعد تركِ العمل، في مرحلة التقاعد! وعندما تصل المدينة الهدف - أو التقاعد - استمتع أيضًا، لكن لماذا الانتظار؟ لأنه بكلّ بساطة كبَّرَ الحَجَر فلا يستطيع حمله، فإما المشروع الكبير أو السَّفرة المكلفة أو لا شيء.

لا تستغرب بأي حال إذا وجدتَ أن المشاهد وأحداث الطريق ممتعة أكثر من المكان الذي كنت تنوي زيارته. أي أنّ مرحلة ما قبل التقاعد كانت أجمل وأمتع مما بعدها. فالحياة ليست إلا عبارة عن عبوات من الوقت فيها السّعادة والتّعاسة، والفقر والغنى، والصّحة والمرض، فإذا كنت في واحدٍ من العبوات والدّورات الجيّدة استمتع بها دون بطر واشكر اللهَ واطلب المزيد، واعمل من أجل تحسينها ما استطعت.

مستشار أعلى هندسة بترول