آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

إذا سرقتَ سَرَقَ ابنك - سلسلة خواطر متقاعد

المهندس هلال حسن الوحيد *

يعد بعضُ النّاس السَّرقة طرفة ولعبة، فيها تسلية ومهارة وتعبيرًا عن الجرأة. يهربون ولا يدفعون قيمة الوقود، يوهمونَ مالك ورشة إصلاح السّيارات أو الفاكهاني بأنهم نسوا محفظةَ النّقود في المنزل ولا يعودون، يغالطون شركات التَّأمين في تحقيقات الحوادث، أقرضني مبلغًا صغير وسوف أعيده إليك، وكثير من الحيل التي هي سرقة، لكن من العيار الخفيف.

هذه الأفعال ليست تسلية، لأنك متى ما سرقتَ سَرَقَ ابنك، فأنت قدوته إن هو موجودٌ الآن، وإن لم يُخلق بعد فأَخطر الأمور أن يخالطَ نطفته مالٌ حرام. وتكون هذه العادة عدوى سرت وتسرَّبت إليه من أبيه. إن أفلتَ السَّارق من القانون، بطريقةٍ أو أخرى، فهو لن يفلت من العقوبة في الآخرة، فلنحذر أكلَ المالِ الحرام.

يدُ كلّ إنسان لها قيمة اعتباريّة لا تقدّر بثمن، لكن هذه القيمة تسقط  بسرقةٍ صغيرة لا تساوي التَّعب في تحصيلها. وفي فترةِ الشَّباب - إلا ما ندر - نقع في فخّ السَّرقات الصَّغيرة لنثبت لأنفسنا وغيرنا بأننا كبرنا، وإن في شكلٍ منكوس، وتبقى تبعاتُ هذه السَّرقات فيما بعد، فذاك سرقنا منه ومات، وآخر سرقنا منه ونستحي أن نردَّ حقه له. وبالتالي تبقى تصفيتها معلَّقة بمزاجِ صاحب الحقّ وعفو الله!

من منّا لم يسمع أو يقرأ عن سرقةٍ كان المشاركون فيها يظنّون أنها فقط سرقة، وإذا بالسَّرقة تنتهي بالقتل والسِّجن. فكثير من الجرائم كما يقول الشَّاعر نصر بن سيار:

فإن النَّارَ بالعودينِ تُذكى
وإن الحربَ مبدؤها كلامُ

ومن طريفِ ما يُحكى أن الشَّاعر المعرِّي اعترضَ يومًا على الشّريف المرتضى رضيَ اللهُ عنه في حدِّ السَّارق الذي قرَّره الشَّرع الإسلامي، إذا كانت دية اليَّد إذا قطعت خطأً خمس مائة دينار وإذا سَرَقَت ربعَ دينار تُقطع، فكيف هذا؟! وأنشأَ يقول:

يدٌ بخمسِ مئينٍ عسجدٍ وديت
ما بالها قُطعت في ربعِ دينارِ؟
تناقضٌ مالنا إلا السّكوت له
ونستجيرُ بمولانا من النَّارِ

فأجابه السَّيد المرتضى:

عزُّ الأمانةِ أغلاها وأرخصها
ذلُّ الخيانةِ فافهم حكمةَ البَّاري

خلاصة الفكرة: بعضُ الأعمالِ السَّيئة مثل السَّرقات الصَّغيرة محصلتها الماديَّة لا تساوي مخاطرها الدنيويّة وعقوبتها الأخرويَّة.

مستشار أعلى هندسة بترول