آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

ومن إناث البشر ذئاب أيضًا - سلسلة خواطر متقاعد

قبل سنوات كان الدرسُ للبنات: احذرنَ الذّكور لأن فيهم ذئاب لا ترحم. والآن انقلبت الصُّورة - أو تكاد - وأتى الدورُ على الذّكور أن يحذروا الإناث. كيف انقلبت الصورة مع أن الحياء عشرة أجزاء تسعةٌ في النِّساء وواحدٌ في الرجال؟!

مخطئٌ من الفتيانِ والفتيات من يظن أن للشَّيطانِ جنس، وقليلُ العقلِ من لا يستفيد من تجارب غيره من النَّاس. ومخطئٌ من يدخل في متاهات ودهاليز ترتادها حيواناتٌ مفترسة. والخاسر دومًا الفتيات على المدى البعيد!

حدثوا أبنائكم وبناتكم عن ذئابِ البشر التي تعتدي على أبناءِ جنسها. ذئابٌ في لباسِ أحمالِ الضَّأن، مهادنة ومسالمة، وتخفي تحتَ الملابس فكوكًا وشهيَّة باحثةً عن الصَّيدِ الضَّعيف. وفي حين أن الذِّئاب الحيوانيَّة لا تعتدي على الذِّئاب أمثالها، وتحترم زمرتها، هذه الذِّئاب مذكّرة ومؤنَّثة، لا فرق، فهي تنهش بعضها.

ينظر الذِّئب ويحاصر القطيع حتى إذا ما ابتعدت واحدةٌ عن الجموع لسببٍ ما، فصارت ترى نفسها هزيلةً لا تستطيع الجريَ ولا نطحَ الذِّئبِ بقرنيها، وثقت في الذِّئبِ أن يعيدها نحو القطيع، فيغدق عليها من الدَّلال والشَّفقة والوعود بالنَّجاة من المأزق ما لم تجرِّبه ومن الكلام ما لم تَسمعه من قبل، فاستسلمت طواعيةً له! والكلام أيضًا يصحُّ فيه التَّذكير والتَّأنيث.

في الماضي، كانت شِباَك ذئاب البشر أصنافًا قليلة وضعيفة، فإذا سوَّج الرَّاعي حظيرته وأقام حولها سُورًا من أسلاكٍ أو حجارة أو غيرهما، لم يستطع الذِّئب القفزَ إلى داخلها. والآن شِبَاك الذِّئاب أنواع لا حصرَ لها، حتى أنها تستطيع الطَّيران والوثبَ فوق الحظائر، وتستطلع وتستكشف القطيعَ دون أن يعلمَ الرَّاعي بأن ذئبًا دخلَ الحظيرة.

أفضل حصانةٍ من الذِّئاب - المذكَّر والمؤنَّث - أن تَقوى ممانعةُ الفريسة فتمتلك عزيمةَ الذبِّ عن نفسها. وبدلًا من أن تسمعَ الكلامَ المعسول من الذِّئب تسمع الكلامَ المعقول والمجرَّب من الرَّاعي. وأن يعلِّمها الرَّاعي حيلَ الذِّئاب ومكرها. وأن لا تثق في ذئب. وقديمًا قالَ الشَّاعر أحمد شوقي عن الثَّعلب الذي ليس بعيدًا عن الذِّئب في المكرِ والخديعة:

بَلِّغِ الثَعلَبَ عَنّي
عَن جدودي الصَّالِحينَا

عَن ذَوي التِّيجانِ مِمَّن
دَخَلَ البَطنَ اللَّعينَا

أنَّهُم قالوا وَخَيرُ القَولِ
قَولُ العارِفينَا

مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يَوماً
أنَّ لِلثَعلَبِ دينَا

يستيقظ الإنسانُ بعد الغفوة وسكرةِ الشَّهوة على تقريع الضمير ويتمنَّى: ليتني متُّ قبل هذا، ولكن هيهات: الآنَ قد علقت مخالبُنا به *** يرجو النجاةَ ولاتَ حينَ مناص. وبعضُ الجِرَار لا يُصلحها الخزَّاف بعد الكسر

مستشار أعلى هندسة بترول