آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:39 م

حقيقة الانتصار

محمد أحمد التاروتي *

تحقيق الانتصار الشخصي او الاجتماعي على حساب المنظومة الأخلاقية، يمثل انتكاسة حقيقية على المستقبل الذاتي والجمعي، لاسيما وان الاخلاق تمثل المؤشر الأساسي في مختلف التحركات البشرية، فاذا تلاشت القيم الأخلاقية وسيطرت الممارسات العنفية، فان شبكة العلاقات الاجتماعية تتحول الى قانون الغاب، من خلال انتهاج سياسة ”البقاء للاقوى“، وضرب جميع المبادئ الفاضلة، التي تمثل الميزان الحقيقي، في كافة المجتمعات البشرية.

اتخاذ القوة شعارا ووسيلة حاكمة، في تحقيق الغلبة على الاخر، يكشف عن انعدام جزئي او كلي للمبادئ الأخلاقية، خصوصا وان القوة قادرة على اسكات الأصوات، ولكنها ليست قادرة على تحقيق الانتصارات عل الدوام، نظرا لعدم إمكانية القوة على التأقلم مع المبادئ الأخلاقية من جانب، وإمكانية انهيار القوة جراء المقاومة الشديدة من جانب اخر، مما يقود للانكسار وعدم القدرة على الفوز في النهاية، بمعنى اخر، فان الوسيلة الفضلى للاستحواذ على القلوب، واختراق كافة الحواجز المادية والمعنوية، تتمثل في الاخلاق، باعتبارها السفير الحقيقي في استقطاب القلوب، لاسيما وان القوة ليست قادرة على تطويع القلوب، بقدر ما تعمد للاجبار والسكوت، جراء الإحساس بالضعف، وعدم امتلاك مقومات المقاومة والرفض.

الإحساس بامتلاك القوة، والتحرك بحرية تامة، والسيطرة على الوضع، في البيئة الاجتماعية، عناصر محفزة لانتهاج ”القهر“، والتخلي تدريجيا عن القيم الأخلاقية، خصوصا وان التضخم الذاتي يولد حالة من الغرور، وعدم الإحساس بالاخرين، وتجاهل معاناة الطرف الاخر، مما يحرك الجانب الشرير على حساب الطرف الصالح، من خلال الإصرار على اذلال الاخر، وعدم الالتفات الى الدعوات الصادقة، انطلاقا من الشعور بامتلاك ناصية الأمور، والتركيز على اللحظات الراهنة، والتغاضي عن رؤية المستقبل، الامر الذي يسهم في اتخاذ القرارات الخاطئة، والتدميرية على الصعيد الذاتي، بحيث تخلق ازمة حقيقية في منظومة العلاقات الاجتماعية، ومحاولة تكريس واقع، يتناقض مع القيم الإنسانية الحاكمة، في المجتمعات البشرية.

التباهي بالقدرة المفرطة، وانتهاج سياسة ”الانا“، وتجاهل المفاهيم الثقافية، الداعمة للعلاقات الجمعية، محاولات فعلية لتكريس بعض المبادئ الخاطئة، في البيئة الاجتماعية، فالبعض يحاول فرض القناعات الخاطئة على البيئة المحيطة، بهدف احداث اختراقات حقيقية، في المنظومة الأخلاقية الحاكمة، فتارة لارضاء الذات عبر الاعتقاد بصوابية الممارسات، على الصعيد الاجتماعي، وتارة أخرى لمحاولة جر الاخرين لانتهاج تلك الاعمال، انطلاقا من شعار ”اذا عمت طابت“، وبالتالي فان اشراك الاخرين يحقق نوعا من الرضا، ويمنع الامتعاض وعدم الرضا، لدى بعض الفئات الاجتماعية.

القدرة على استخدام العنف في العلاقات الاجتماعية، تكشف الافتقار لاستخدام الاخلاق في تنظيم الأمور الاجتماعية، انطلاقا من قاعدة ”فاقد الشيء لا يعطيه“، وبالتالي فان الشعور بالنقص في التحلي بالاخلاق، يدفع باتجاه الامعان والإصرار على اتخاذ الوسائل البديلة، الامر الذي يتمثل في رفض جميع المحاولات الداعمة، لتصحيح المسار العملي، فتارة باستخدام مبررات غير واقعية، وغير مقبولة على الاطلاق، منها ”لا يفك الحديد الا الحديد“، وتارة عبر اتباع الطرق الرخيصة للهروب من الاستحقاقات الأخلاقية، بهدف تبرير تلك الممارسات على الصعيد الاجتماعي، من خلال الايحاءات الكثيرة بعدم جدوى الليونة، وعدم إعطاء رسائل بالضعف لدى الاخرين، الامر الذي يبرر استخدام العنف في جميع الأحوال.

العنف واذلال الاخر لا يحقق النصر، بقدر ما يمهد الطريق للهزيمة، على الصعيد الاجتماعي، فالعنف ليس قادرا على تحقيق الانتصار، وانما يعمد لاشاعة الكراهية في النفوس، مما يخلق حواجز معنوية تمنع إرساء قواعد المحبة والوئام، في الشرائح الاجتماعية، وبالتالي فان الانتصار الحقيقي يكمن في التحلي بالاخلاق، وعدم انتهاج العنف كوسيلة للقهر والاذلال.

كاتب صحفي