آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 11:13 ص

الخصوصية الذاتية

رضي منصور العسيف *

«1»

انتهت حفلة الزواج..

كان الجميع سعيدًا..

فهذا هو الابن البكر وها هو يدخل الحياة الزوجية...

بعد عودتهم إلى المنزل رن تلفون الأب...

كانت المكالمة من أحد الأصدقاء ولكنها مكالمة غريبة جدًا... فقد طلب هذا المتصل أن يسارع الأب ليطلب من ابنه بحذف صور الحفلة من السناب شات... ففيها صورة غير لائقة...

سارع الأب واتصل بابنه وطلب منه حذف الصور حالاً...

راجع الابن الصور فوجد أن إحدى هذه الصور ظهرت فيها إحدى «أخواته»...

حذفها...

ولكن بعد فوات الأوان فقد انتشرت الصورة إلى مجموعة من المتابعين...

«2»

انتقلوا إلى بيتهم الجديد...

فقام أحد الأبناء بتصوير المنزل غرفة غرفة... زاوية زواية...

الأثاث الفخم... التحف الجميلة... التلفاز... وغيرها...

وتم نشر جميع هذه المقاطع والصور على السناب شات...

بعد فترة...

تم سرقة المنزل...

وهناك العديد من القصص التي حدثت بسبب سوء استخدام هذا التطبيق..

قبل ثلاثين سنة أو أكثر كان الزوجين يخافان أن يزعجا الجيران بسبب صراخ الأطفال، كان للبيت خصوصيته، فلم يعلم عن محتوياته أي أحد، كانت الأسرار مدفونة في «بئر» البيت.

أما الآن وبسبب هذه التقنيات ووسائل التواصل الحديثة أصبح كل شيء مكشوفاً للأخرين!!

فأنت تسمع صراخ الأطفال عبر هذه الشاشة، وانت تشاركهم أفراحهم أو أحزانهم، وتعلم ماذا يأكلون وماذا يشربون وغيرها...

ولذلك علينا أن نتوقف قليلا لنعيد الاعتبار لخصوصياتنا الذاتية.

ما هي الخصوصية؟

تعرّف الخصوصية اصطلاحاً بأنّها الحق الذي يملكه الإنسان في المحافظة على سرية معلوماته وعلاقاته الشخصية، حيثُ إنّ كل إنسانٍ له مطلق الحقّ بأن يكونَ بعيداً عن المراقبة وتعريض بياناته ومعلوماته للنشر دونَ موافقته على ذلك.

ويمكن القول أن الخصوصية الذاتية هي الباسوورد الذي تحتفظ به لنفسك ولا تبوح به للآخرين.

حافظ على أسرارك

أنت المسؤول الأول والأخير عن أسرارك، فلا تدع هذه الأسرار تغادر مملكتك الذاتية، عليك أن تضع أقفالا محكمة على هذه الأسرار.

أسرارك هي مفاتيح قوتك وضعفك.. وهي الخيط الرفيع الذي من الممكن أن تبقى قلقا بسببه طول حياتك. كما ورد عن الإمام علي : سرك سرورك إن كتمته، وإن أذعته كان ثبورك[1] .

بعيداً عن الأضواء

البعض أصبح مفرطاً في استخدام هذه التقنيات، ولم يعد يفرق بين النافع والضار، بين الخاص والعام، منفتحاً على جميع الجهات، إن هذه الشخصية تحتاج إلى برمجة الخصوصية الذاتية وعزلة إيجابية من خلال التخفيف من التواصل الاجتماعي المستمر، والتفرغ لمراقبة الذات وإصلاح عيوبها، كما ورد عن رسول الله ﷺ: إن أغبط أولياء الله عبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع[2] .

احتفظ بأهدافك لنفسك

فلا تتحدث عن أهدافك إلا لمن يدرك قيمتَها، ويشجِّعُك على المُضي قُدمًا في سبيلِ تحقيقِها. وغير هذه الفئة ربما سيعمل على تثبيطك، وربما يسبب لك الإحباط ويجعلك تغير هدفك.

عليك أن تدرس أهدافك جيداً حتى تكتمل الصورة ومن ثم ابدأ التنفيذ كما ورد عن الإمام علي : الصمت حكم، والسكوت سلامة، والكتمان طرف من السعادة[3] . وهذا أجمل تعبير عن حفظ الخصوصية الذاتية.


[1] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1282

[2] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 1965

[3] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2668
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف